القول الآخر: أنه يستحب غسل أصول الشعر والمسترسل ولا يجب، وهو قول الحنفية وبعض الحنابلة (١).
واستدلوا بما روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ:«لَا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ»(٢). ولو كان غسل باطن الرأس واجبًا، لأمر النبي ﷺ أم سلمة بنقض ضفائرها حتى يصل الماء إلى بشرة الجلد التي تحت الضفائر.
قال ابن قدامة: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَبُلُّ الشَّعْرَ الْمَشْدُودَ ضَفْرُهُ فِي الْعَادَةِ (٣).
قلت: فدل ذلك على أن المطلوب أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات، دل على ذلك ما رواه مسلم عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ. فَقَالَتْ: يَا عَجَبا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا، يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ، أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ؟! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَة إِفْرَاغَاتٍ (٤).
والنبي ﷺ قال للرجل الذي أصابته جنابة:«خُذْ هَذَا فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ»، فدل على أن الواجب إفراغ الماء على البدن وتعميم البدن بالماء.
(١) مراقي الفلاح (ص/ ٤٣)، ورجحه ابن قدامة في (المغني) (١/ ٣٠١، ٣٠٢). (٢) مسلم (٣٣٠). (٣) المغني (١/ ٣٠٢). (٤) مسلم (٣٣١).