وذَلِكَ أَنَّ عبد الرَّحمن بن حَسَّان، وكان مِنَ الأنْصَار، شَبَّبَ بِبِنْتٍ لِمُعاوية (٢) فَقَال:
ثمَ خاصَرْتُها إلى القبَّةِ الخَضْرا … ءِ تَمْشي في مَرْمَرٍ مَسْنُونِ (٣)
فَحَمل يزيدُ بن معاوية الأخْطَل على هِجاءِ الأنْصَار، فَقَال شِعْرًا فِيهِ البَيْتُ المُتَقَدِّم، فَدَخَلَ النُّعْمان بن بَشيرٍ الأنْصَاري على مُعَاوية، ووَضَعَ عِمامَتَهُ عن رَأْسِهِ فقال: يا معاوية هل تَرَى لُؤمًا؟ قال: بَلْ أرى كرمًا فما ذاك؟! فأخْبَرهُ بِما قال الأخْطَلُ، فوهَبَ لَهُ لِسانَهُ. فَمَنَعَهُ يزيد، وقال: هو جاري (٤).
والأنْصَار: واحِدُهم ناصِرٌ، سُمُّوا بذَلِكَ لِنَصْرِهم رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بأمْوَالِهِم وأَنْفُسِهم، ومدَحَهم الله تعالى في كتابِهِ العزيز فقال:{وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا}(٥) وذلك أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا هاجرَ إليهم، ونَزَلَ عليهم سُرُّوا بِمَقْدَمهِ وفَرِحُوا بِمَأْتاه، ثُمَّ آوَوْهُ ونَصَرُوهُ فَسَمَّاهم رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم، وأَثنى عَلَيْهِم فقال (٦): "الأنْصَار كَرْشي وعيبتي (٧)، ومَعْدِن سِرِّي"(٨) "ولو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا وسلكت
(١) ديوانه ص ٤٨٣. (٢) هي رملة بنت معاوية. (٣) ديوانه ص ٦٠. (٤) الأغاني ١٣/ ١٤١ - ١٤٢. (٥) سورة (الأنفال) الآية: ٧٢، والآية: ٧٤. (٦) الحديث في صحيح البخاري، مناقب الأنصار: ٢١١، وصحيح مسلم: فضائل الصحابة: ١٧٦. (٧) الكَرشُ من الناس: الجماعة، أراد جماعتي وصحابتي الذين أثق بهم وأعتمد عليهم. وقوله وعيبتي: عيبة الرجل موضع سره، والذين يأتمنهم على أمره. غريب الحديث لأبي عبيد ١٨٦. (٨) جزء من حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يرفعه ولفظه "الأنصار كرشي =