فباد آخرهم من عند أولهم … ولم يكن لهم رُشْدٌ ولا فَلَحُ
فنحن بعدهمُ في الحق نفعله … نُسقى الغَبوق (١) إذا شِئنا فنصطبح
فليت طَسْماً على ما كان إذ فسدوا … كانوا بعاقبة من بعد ذا صَلَحُوا
إذاً كنا لهم عزاً ومَمْنَعةً … فينا مقاول تسمو للعلى رُجَحُ
وهرب رجل من طَسْم يقال له رياح بن مرة حتى لحق بِتُبَّع أسعد تِبان بن كُلِكيكَرِب، وقيل: بل لحق بِحسَّان بن تبع الحميري، وكان بالمدينة، وقيل بِمكة، وقيل بنجران، فاستغاث به، وقال: نَحْنُ عبيدك ورعيتك وقد اعتدى علينا جَدِيس، ثم رفع عقيرته ينشده:
أجبني إلى قوم دعوك لغدرهم … إلى قتلهم فيها عليهم لك العُذْرُ
[دَعَونا وكنَّا آمنينِ لغدرهم … فأهلَكَنَا غدرٌ يشابُ به مَكْرُ] (٢)
وقال: اشهدونا مؤنسين لتنعمُوا … وتقضوا (٣) حقوقاً من جوارٍ له حَجْرُ
فلما انتهينا للمجالس كَلَّلُوا … كما كَلَّلَتْ أُسدٌ مجوَّعة خُزْرُ
فإنك لم تسمع بيوم ولن ترى … ليوم أبادَ الحيَّ طَسْماً به المكر
أتيناهُمُ في أُزرِنا ونعالنا … علينا الملاءُ الخضرُ والحللُ الحمرُ
فصِرْنا لحوماً بالعراء وطعمةً … تَنَازَعَنا ذئب الرَّثيمة والنَّمْر
فدونك قوم ليس لله فيهمُ … ولا لهم منه حجاب ولا سِتر
فأجابه إلى سؤله ووعده بنصره، ثم رأى منه تباطؤاً، فقال:
إني طلبت لأوتاري ومَظلمتي … يا آل حسَّانَ إلى العز والكرم
المنعمين إذا ما نعمةٌ ذُكِرَتْ … والواصلين بلا قُربى ولا رَحِمِ
وعند حسان نصرٌ إن ظفرتَ به … منه يمين ورأي غير مقتسم
إني أتيتك كيما أن تكون لنا … حصناً حصيناً وردءاً غير مهتضم
/٩٥ فارحم أيامى وأيتاماً بِمهلكة … يا خير ماش على ساقٍ وذي قدمِ
إني رأيت جَدِيساً ليس يَمنعها … من المحارم ما تَخشى من النِّقَمِ
(١) الغبوق: ما يُشرب بالعشي. القاموس (غبق) ص ٩١٤.
(٢) سقطت من الأصل، والإضافة من معجم البلدان ٥/ ٤٤٥.
(٣) في معجم البلدان ونقضي ٥/ ٤٤٥.