دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشترِ بها داراً. فأخذها ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص (١) قال لمالك: (ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ (٢)»، كما حمل عثمان رضي الله عنه الناسَ على القرآن (٣)).
فقال: أما حمل الناس على الموطأ (٤)، فليس إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم افترقوا بعده في الأمصار، فحَدَّثوا، فعند أهل كل [مِصْرٍ](٥) علْمٌ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:/٣٨ «اختلاف العلماء رحمة»(٦). وأمَّا الخروج معك، فلا سبيلَ إليه؛ قال صلّى الله عليه وسلّم:«المدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون»(٧)، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«المدينة تنفي خَبثَها»(٨). وهذه دنانيركم كما هي، إنْ شئتم فخذوها وإنْ شئتم
فدَعُوها (٩).
(١) شَخَص من بلد إلى بلد شخوصاً: ذهب. القاموس (شخص) ص ٦٢١. (٢) الموطأ: مصنف الإمام مالك، وهو من أقدم الكتب المؤلفة المتداولة الآن، وله عدة روايات، أشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثي. (٣) قيل لعثمان بن عفان-رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى .. فأمر بنسخ المصحف وتوزيعه على أقاليم الدولة الإسلامية. الرياض النضرة للمحب الطبري ٣/ ٣٣. (٤) كرر الناسخ العبارة: كما حمل عثمان .. إلى قوله: أما حمل الناس على الموطأ. (٥) في الأصل: (عصر). (٦) بهذا اللفظ عزاه العجلوني في الكشف ١/ ٦٦، إلى الخطيب البغدادي في الرواة عن مالك. والحديث قد حكم جماعة من المحدثين بأنه موضوع مكذوب، وانظر كلامهم في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم: ٥٩. (٧) الموطأ ٢/ ٨٨٧. (٨) صحيح مسلم رقم:١٣٨١. (٩) وتروى هذه القصة أنها حدثت له مع المنصور. ترتيب المدارك ١/ ١٩٢، سير أعلام النبلاء ٨/ ٢٧٨.