فهذا موقف يبين كيف كان رسول الله ﷺ يكظم غيظه، فأي كظم للغيظ هذا؟ بل أي حلم وعفو هذا الذي يلقى به رسول الله ﷺ قاتل عمه الأثير وصديقه النصير، وشريكه في الجهاد، وكان رسول الله ﷺ قادرًا على أن يثأر لعمه، بل كان كثير من الصحابة الكرام ينتظر إشارة من رسول الله ﷺ ليقتل بها وحشيًّا؛ ليشفي غيظ نبيه، لكن رسول الله ﷺ عفى عنه ابتغاء وجه الله تَعَالَى، وفي هذا بيان لأمته أن تتعلم العفو والصفح الجميل.
عفوه ﷺ العفو الشامل العام في فتح مكة، عندما وقف مخاطبًا أهل مكة قائلًا:«مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ قالوا: خيرًا؛ أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٩٢] اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»(١).
نماذج من تخلق السلف الصالح بخلق العفو:
أبو بكر الصديق ﵁، كان يحسن إلى مسطح الذي مس ابنته عائشة ﵂ في عرضها، عندها أوقف الصديق المعونة عنه، فجاء العتاب الإلهي، قال تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢]، فكان الصديق يقرأ هذه الآية ويبكي، يقول: بلى، أحب أن يغفر الله لي، وعاد على مسطح بالمساعدة! (٢).
(١) زاد المعاد، ابن القيم (٣/ ٣٥٩). (٢) سبق تخريجه.