كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدي المرأة، وهي سيدته، و تحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر،، ومع ذلك ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ [يوسف: ٢٣]، وصار المحل خاليًا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، ودعته إلى نفسها ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ [يوسف: ٢٣]، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم، ومع ذلك كله حفظه الحفيظ في دينه، قال تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤](١).
وحينما يتكفل الحفيظ بحفظ شيء، فمن المحال أن يضيع أو يهلك، وكيف يهلك وقد تعهد الله بحفظه وتولاه برعايته، وهو خير الحافظين، قال تَعَالَى: ﴿فَالله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٦٤].
تكفَّل بحفظ كتابه العزيز من التحريف والتغيير والتبديل على مر العصور والدهور ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، فبقى هذه القرون الطويلة محفوظًا بحفظ الحفيظ له ﵎، بينما التوراة والإنجيل لما أوكل حفظها إلى الرَّبَّانيين والأحبار ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤]؛ حصل التبديل والتغيير (٢).
وتكفل بحفظ بيته الحرام، قال ابن تيمية ﵀: «وكذلك الكعبة؛ فإنها بيت من حجارة بوادٍ غير ذي زرع، ليس عندها أحد يحفظها من عدو، ولا