فمن كان أكثرُ اعتماده على الأسباب؛ نقص توكله على الله، وقدح في كفايته، وكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه.
وبالمقابل: من جعل اعتماده على الله ملغيًا للأسباب، لم يحقق التوكل بل وطعن في حكمة الله؛ لأن الله جعل لكل شيء سببًا، وربط الأسباب بمسبباتها (١).
قال ابن القيم ﵀:«وسر التوكل وحقيقته: هو اعتماد القلب على الله وحده، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها، كما لا ينفعه قوله: توكلت على الله، مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به»(٢).
ومما يدل على أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ما يلي:
١ - أن الله ﷿ أمر بالأخذ بالأسباب كما أمر بالتوكل، فقال سُبْحَانَهُ لأيوب ﵇: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤] مع أن ضرب الرجل في الأرض لا ينبع ماء، ولكن لنعلم أنه لا بد من اتخاذ الأسباب ولو كانت ضعيفة، فالأمر أمره والكون كونه، وقال لمريم مع ضعفها: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥]، ومع قدرته ﵎ على أن ينزل لها الرطب جنيًّا، بل مائدة عليها أشهى
(١) القول المفيد على كتاب التوحيد (٢/ ٨٨). (٢) الفوائد (ص: ٨٧).