قال: كان عمر (١)﵁ يُمازحني فيقول: "أكذبُ الناس الصُّوَّاغ، يقول: اليوم وغدًا".
فأشار إلى السبب في كونهم أكذبَ الناسِ، وهو المَطْلُ والمواعيدُ الكاذبة.
ونحوه ما يُروى عن أبي هريرة أنه رأى قومًا يتعادون فقال: ما لهم؟ فقالوا: خرج الدجال، فقال:"كِذبةٌ كذبها الصواغون"(٢).
ويُروى الصيَّاغون؛ أعني بالياء على لغة الحجاز، كالديَّار والقيَّام، على أنه قد قيل: إنه (٣) ليس المُراد بالصوَّاغين (٤) صاغةُ الحُليِّ، ولا بالصَّبَّاغين صباغوا (٥) الثياب، بل أراد الذين يصبغون الكلام ويصوغونه؛ أي: يُغيِّرونه ويُزيِّنونه، يقال: صاغَ شِعرًا وصاغَ كلامًا؛ أي: وضعه وزيَّنه (٦)، وإلى نحو هذا جنَحَ أبو عبيد القاسم بن سلَّام فقال: الصيَّاغ: الذي يزيد في الحديث من عنده يُزيِّنه به (٧). انتهى.
وقد بسطتُ هذا في محلٍّ آخر (٨).
(١) في "م": (ابن عمر). (٢) أورده ابن قتيبة في "غريب الحديث" (٢/ ٢٩٩) وقال: يرويه أبو عبَّاد عن همام عن فرقد. (٣) كلمة (إنه) زيادة من "م" و"د". (٤) في "ز": (بالصياغون). (٥) في "ز": (صباغي). (٦) من قوله: (ويُروى الصيَّاغون) إلى هنا؛ مأخوذٌ من "النهاية لابن الأثير" (٣/ ٦١). وقد تعقَّب ابنُ القيم هذا القولَ فقال في "المنار المنيف" (ص ٥٢): وقد تأوَّله بعضهم على أنَّ المُرادَ بالصبَّاغ: الذي يزيد في الحديثِ ألفاظًا تُزيِّنه، والصَّوَّاغ: الذي يَصوغ الحديثَ ليس له أصل. وهذا تكلُّفٌ باردٌ لتأويلِ حديثٍ باطلٍ. (٧) لم أجده في "غريب الحديث". وقد ساقه ابن عدي في "الكامل" (١/ ١٥٤)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/ ١١٥) من طريق يحيى بن موسى البلخي، عن أبي عُبَيد القاسم بن سلام به. (٨) تكلَّم عليه المصنف في "الأجوبة المرضية" (٢/ ٧٨٣ - ٧٨٧).