الشّهادة؛ لأنّ تحريمها نصّ في كتابُ الله أسكَرَ أم لم يسكر".
وقال الحسن في السّارق إذا قُطِعت يده والزاني والسّكران إذا أُقيمَ عليهما الحدّ: إنَّ شهادتهم جائزة إذا كانوا عدُولًا، وهو مذهب مالك (١) والشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبي ثور، خلافًا لأهل العراق، ولهذا قال مالك في "كتابه" وبوّب فقال:
باب القضاء (٢) في شهادة المحدود
قال الإمام: وإنّما خَصَّ مالك هذه التّرجمةَ والتي بعدَها وهي: "القَضَاءُ باليمينِ مع الشّاهِد" دونَ سائرِ مسائلِ الشّهاداتِ، لمُكَابرةِ أهل العراق* فيهما القرآنَ والسُّنَّةَ (٣)، وتعلّق أهلُ العراقِ في* ذلك بقوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}(٤)، واعتمدَ مالك في "الموطَّأ" (٥) وغيرِه على قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} الآية (٦).
وقال أبو حنيفةَ: إنّما تُفيدُ التّوبةُ المغفرةَ والرّحمةَ الّتي وَعَدَ اللهُ بها، فأمّا ردُّ الشّهادة فلا تُسقِطُهُ التَّوبةُ كما لم تُسقِطِ الجَلدَ، ولو رَجَعَ قولُه:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} الآية (٧)، إلى ما تقدَّم لأسقطتِ التّوبةُ الحدَّ والرَّدِّ معًا، والبارىءُ تعالى قد جعلَ الرَّدِّ مؤبَّدًا.
(١) في الموطَّأ (٢١١٠) رواية يحيى. (٢) انظره في القبس: ٣/ ٨٩٠. (٣) انظر أحكام القرآن للجصاص: ٥/ ١١٨، ١٢٧ (ط. قمحاوي). (٤) النور: ٤. (٥) ٢/ ٢٦٢ (٢١١٠) رواية يحيى. (٦) النور: ٥. (٧) النور: ٥.