أمّا حَكُّهُ - صلّى الله عليه وسلم - البُصَاقَ منَ القِبْلَةِ، ففيه دليلٌ على تنزيه المساجد من كلِّ ما يُسْتَقْذَرُ وإنْ كان البُصَاقُ طاهرًا، ولو كان نَجِسًا، لأمَرَ بغَسْلِهِ في الحينِ، ودلَّ ذلك على طهارته.
والحُجَّةُ لنا فيه: حديث حُذَيفَة (٣) وأبي سَعيدٍ وأبي هُرَيرةَ (٤)؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أباح للمُصَلِّي أنّ يَتَنَخَّمَ ويَبْصُقَ في ثَوْبِهِ وعن يَسَارِهِ" ولو كان نَجِسًا ما أباح لَهُ حَمْله (٥) في ثوبه.
قال الإمام (٦): ولا أعلمُ في طهارته خلافًا، إلَّا ما رواهُ سَلْمَان، والجمهورُ على خلافه، والسُّنَنُ الثّابتةُ وردَت بردِّه.
نكتةٌ لغوية (٧):
قال الإمام: البُصَاقُ: ما خرجَ من الفَمِ، وفيه لغتان: بُصَاقٌ وبُزَاقٌ، ويُكتَب بالسِّين
كما يُكتب بالصّاد. والنّخَامَةُ: ما خوجَ من الحَلْقِ، والمُخَاطُ: ما خرجَ من الأَنْفِ.
المسألة الثّانية (٨):
قوله: "إذا كان أَحَدُكُم يُصَلِّي" خَصَّصَ بذلك حال الصّلاة، ويحتمل معانٍ:
(١) يقصد ما رواه مالكٌ في الموطَّأ (٥٢٢) رواية يحيى. عن ابن عمر؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - رأى بُصَاقًا في جدار القِبْلَةِ فَحَكّهُ، ثم أَقْبَلَ على النَّاس، فقال: "إذا كان أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فلا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فإنَّ اللهَ تبارك وتعالى قِبَلَ وَجهِهِ إذا صَلَّى". (٢) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٧/ ١٨٠ - ١٨٢. (٣) أخرجه المروزي في قدر الصّلاة (١٢٢)، والخطيب في تاريخ بغداد: ٨/ ٤٥٨، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١٤/ ١٥٨، وانظر مصنّف ابن أبي شيبة (٧٤٥٤). (٤) رواه عنهما البخاريّ (٤٠٨ - ٤١١)، ومسلم (٥٤٨). (٥) غ، جـ: "ذلك حمله" والمثبت من الاستذكار. (٦) الكلام مرصول للإمام ابن عد البرّ. (٧) هذه النكتة مقتبسة من الاستذكار: ٧/ ١٨٣. (٨) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ١/ ٣٣٧ بتصرّف.