قال الإمام: هذا الباب كثير الأحاديث، وفروعُه كثيرةٌ، ومقدِّماته ثلاثٌ:
١ - المقدمة الأولى (١): اختلف العلّماء إسلامًا ومذهبًا هل هي واجبة أم لا؟ وهل يعتبر في أدائها النصاب أم لا؟ وفي قدرها ووقت وجوبها؟
أمّا فرضيتها، فلا إشْكَال فيه (٢)، لتَوَارُدِ (٣) أَمْرِ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - بها وحَضِّهِ عليها، وذلك يبيِّن أنَّ معنى قوله في هذا الحديث (٤): "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - زكَاةَ الفِطْرِ": أَوْجَبَ قَدْرَهَا.
وأمّا وقت وجوبها، فلا أَظْهَرَ (٥) فيه من إضافتها. فإن قيل: ما هي؟ قلت: زكاة الفِطْر، فهذا اسمها (٦) الّذي تعرف به (٧)، وسببها الّذي تجب به.
وأمّا وقت أدائها، فقبلَ الصَّلاة (٨)، وفي الحديث: "هِيَ طُهْرَةٌ لصِيَامِكُمْ مِنَ
(١) انظرها في القبس: ٢/ ٤٧٥ - ٤٧٦. (٢) يقول ابن الجدّ في أحكام الزّكاة: ٣٨/ ب "واختلف قول مالك، هل هي فرضٌ بالقرآن، أو بالسُّنَّة؟ فقال مرّةً: إنها فرضٌ بالقرآن، وقال مرَّةً: فرض بالسُّنَّة". (٣) غ، جـ: "لموارد" والمثبت من القبس. (٤) أي حديث مالكٌ في الموطّأ (٧٧٢) رواية يحيى. وأخرجه أيضًا التجاري (١٥٠٣)، ومسلم (٩٨٤) من حديث ابن عمر. (٥) غ، جـ: "والأظهر" والمثبت من القبس. (٦) غ، جـ: "سببها" والمثبت من القبس. (٧) وفي القبس (ط. الأزهري: ٢/ ١١٦): "هذا نسبها الّذي تعرف فيه". (٨) يقول أبو بكر بن الجدّ في أحكام الزّكاة: ٣٨/ أ "اختلف القول في وقت وجوبها؟ فقل: تجب بغروب الشّمس، وهي رواية أشهب. وقيل: بطلوع الفجر، وهي رواية ابن القاسم. وأصل اختلافهم في ذلك اختلافهم في تأويل النّظر المذكور في الحديث، حيث قال: "فرض رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - صدقة الفِطرِ من رمضان" فمرّة تأوّله أوّل فطر عند الغروب، قال: هو أوّل وقت الوجوب، وهي رواية أشهب، ومن تأوّله بالفِطْرِ المنافي للصّوم، قال: بطلوع الفجر، وهي رواية ابن القاسم". ويقول القاضي عياض في التنبيهات: ٢٩/أ "اختلفت أجوبة مالك - رحمه الله - في هذا الباب، واضطربت مسائلهم فيه بحسب الاختلاف في الأصل ومراعاة الخلاف، وكذلك اختلف كلام الشارحين [للمدوّنة] ومقاصد المتأخرين، والتحقيق في ذلك؛ أنّ الخلاف في الوقت الّذي تجب فيه زكاة الفطر على قولين معلومين: أحدهما: بالغروب، وهي رواية أشهب وقول ابن القاسم وحكايته عن مالك ... =