قال الإمامُ: وإنَّما نُهِيَ عن الخروج لئلّا يقول: لولا خروجي ما سلِمتُ فيشرك، ولولا أنِّي فعلت كذا وكذا ما نجيت، فهذا هو النّهيُ، وأيضًا فيكون ذلك فرارًا من قَدَرِ الله.
وقال قوم: إنّما نُهِيَ عن الخروج لئلًا يضيع المرصى فيكون ذلك عَونًا عليهم، أَلا ترى أنّ فرضَ الجمعةِ يسقطُ بحقِّ المريض.
ووجه ثانٍ: إذا قدم على الوباء ثمّ اختلف الهواء، أو كان سببًا للموت بتَحرُّك الأمراض والأسقام بالهواء، وقد وقع الطّاعون بالشّام فقال (١): إنّه رجس فتفرّقوا عنه، فقال شرحبيل: سمعتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقولُ:"إِنَّها رَحمَةُ رَبِّكُم، وَدَعوَةُ نَبِيِّكُم، وَمَوتُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، فَلَا تَفَرَّقُوا"(٢).
تنبيه:
وقد ظنّ قوم (٣) أنّ قوله: "وَدَعوَةُ نَبِيِّكُم" قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اجعَل فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعنِ وَالطَّاعُونِ"(٤) وربُّنا أعلمُ بهذا.
الفائدةُ الثّالثة (٥):
ذكر مالك حديث عُمر في خروجه إلى الشّام، واستوفَى مساقَهُ بخلاف غيره، وإنّما فعل ذلك لكثرة فوائده، وقد استوفينا ما فيه في "الكتاب الكبير" ففي هذا الحديث:
(١) القائل هو عمرو بن العاص. (٢) أخرجه أحمد: ٤/ ١٩٦، وابن حبّان (٢٩٥١)، والطّحاوي في شرح معاني الآثار: ٤/ ٣٠٦ والطّبراني في الكبير (٧٢١٠) كلهم من طريق شعبة، عن يزيد بن خمير قال: سمعت شرحبيل بن شفعة يحدث عن عمرو بن الحاص. قال ابن حجر في بذل الماعون: ٢٥٧ "رجاله ثقات". (٣) المراد هو الإمام ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٦/ ٧٠. (٤) أخرجه أحمد: ٣/ ٤٣٧، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٢٥٠٣)، والطبراني في المعجم الكبير: ٢٢/ ٣١٤ (٧٩٢، ٧٩٣) [قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٢/ ٣١٢ رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات] كما أخرجه الحاكم: ٢/ ١٠٢ وقال: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه" كلهم عن أبي بردة أخي أبي موسى الاشسعري. (٥) انظر هذه الفوائد في القبس: ٣/ ١٠٨٩ - ١٥٩١.