وقد (١) ثبت في الصّحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَعْمَرَ أرْضًا لَيسَت لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا" خرّجه البخاريُّ (٢).
أمّا قوله:"لَيسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" فهو حديثٌ صحيحٌ، ورَوَى أبو داود (٣) نازلة تعضُدُه: أنّ رجلين اختصما إلى رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلم-، فقال أحدُهما: إنَّ أرضي غَرَسَ هذا فيها نخلًا، فقضَى رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - لصاحبِ الأرضِ بأرضِهِ، وأمرَ صاحبَ النَّخْل أنّ يُخرِجَها منها. قال: فَلَقَدْ رَأَيتُها وإنّ أصُولَها لَتُضرَبُ بالفُئُوسِ حَتَّى أُخرِجَت عنها وهي نَخلٌ عُمٌّ.
الأصولُ والغريب (٤):
اختلف النَّاسُ في هذا الحديث الّذي خرَّجه أبو داود، هل هو تَعَبُّدٌ أم مُعَلَّلٌ؟ فالّذين قالوا إنّه معلَّلٌ اختلفوا في تعليله:
فمنهم من قال: إنَّ العلَّةَ فيه الاشتراكُ بين الخَلقِ، كالماءِ والحطبِ والحشيشِ، فَتَخلُصُ بالإحياء للمُحيِي، كما تَخلُصُ بالاحتطابِ والاحتشاش والاصطياد والاستقاء، كلُّ ذلك لفاعله.
وقيل في تعليله: إنّما ذلك إلى الإمام يُخلِصُها لمن شاء، وليست كالماء والحشيش والحطب والصّيد؛ لأنّ ذلك ليس بثابتٍ ولا مُتَحَصَّلٍ. وقد رَوَى الدّارقطنىُّ أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- قال:"مَوَتَانُ الأَرْضِ (٥) للهِ وَلرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُم مِنِّي أَيُّهَا المُسلِمُونَ"(٦) وهذا
(١) انظر القبس: ٣/ ٩٢٣ - ٩٢٤. (٢) الحديث (٢٣٣٥). (٣) في سننه (٣٠٧٤ م) من حديث عروة عن أبيه. (٤) انظرهما في القبس: ٣/ ٩٢٤. (٥) يقول الخطابي في إصلاح غلط المحدِّثين: ١٥٦ "يعني الموات من الأرض، وفيه لغتان، يقال: مَوْتان -مفتوحة الميم ساكنة الواو-، ومَوَتَان -الميم والواو متحركتان-"، وانظر تصحيفات المحدِّثين للعسكريِّ: ٢٤٧. (٦) لم نجده في سنن الدارقطني. وقد رواه البيهقي: ٦/ ١٤٣ إلى قوله: "ولرسوله" وزاد بدل الباقي: "فمن أحيا منها شيئًا فهو له" من رواية طاوس عن ابن عبّاس، ثمّ قال: تفرد به معاوية بن هشام مرفوعًا موصولًا. قال ابن الملقن في البدر المنير: ٢/ ١٠٩ "هو صدوق، وهو من رجال الصّحيح" وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: ٣/ ٦٢ "قوله في آخره: أيها المسلمون، مُدْرَجٌ ليس هو في شيءٍ من طرقه".