وقال ابنُ حبيب: التّحليلُ أَحَبُّ إلينا وبِهِ أقولُ.
ووجهُ رواية التَّحريمِ: يريد بذلك منع الفعل وهو الانْتِبَاذ، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - والنّهيُ يقتضي التّحريم.
ومن جهة المعنى: أنّ هذا معنى يعجِّل شِدَّة المنتبذ، فوجب أنّ يكون ممنوعًا كالخليطَيْن.
ووجه ما ذهب إليه ابن حبيب: ما زعم أنّه منْسُوخ، وتعلّق (١) بما رُوِيَ عن بُرَيْدَة الأسلميّ، أنّ النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم - قال:"كُنْتُ نَهَيتُكُم عن النَّبيذِ إِلَّا في السِّقَاءِ فَاشَربُوا وَاتَّقُوا كُلِّ مُسكِرٍ"(٢).
ومن جهة المعنى: أنّ هذا شرابٌ ليست فيه شِدَّةٌ: مطربةٌ، فوجبَ أنّ يكونَ مباح الانتباذ، أصل ذلك إفراده وانتباذه في السِّقاء.
المسألة الثّانية (٣):
وهذا إذا كان المزفَّت إناء، وأمّا "الزِّقَاقُ"(٤)، فقد رَوَى أشهب عن مالك (٥) إباحة الانبتاذ في الزِّقَاقِ المزفّتة.
والأظهر: أنّ يمنع المزفَّت من ذلك كلّه زِقَاقًا وغيرها؛ لأنّ النّهي وَرَدَ عَامًّا.
(١) في كتابه شرح غريب الموطَّأ: الورقة ٩٤ [١/ ٤٢٩]، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: ١٨٢. (٢) رواه عبد الرزّاق (٦٧٠٨)، والترمذي (١٨٦٩) وقال: "هذا حديث حسن صحيح" كما أخرجه جمعٌ من الحفّاظ. (٣) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: ٣/ ١٤٨ - ١٤٩. (٤) جمع زقّ، وهو وعاء من جلد. (٥) انظر العتبية: ١٦/ ٢٩٦ في سماع أشهب وابن نافع عن مالك، في كتاب الحدود والأشربة.