قوله:"كانَ السَّيْلُ قَدْ حَفَرَ قَبْرَهُمَا" فيه دليلٌ على أنّهما دُفِنَا في قبرٍ واحدٍ، وذلك أنّه لمّا اشتدّ على المسلمين حفر القبور يوم أُحُد لكثرة القتلى، قال لهم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "احفِرُوا وَعمقُوا وَأَوْسِعُوا، وَادْفنُوا الاثْنَيْنِ والثَّلَاثَةَ في قَبْرٍ، وقَدِّمُوا أَكثَرَهُمْ قرآنًا"(٢).
فعلى هذا يجوزُ مثله للضّرورة، قال مالك: وإِلَّا فالسُّنَّةُ أنّ يُدْفَنَ كلّ واحدٍ في قبرهِ إذا أَمْكَنَ (٣).
المسألة الثّانية (٤):
قوله: (وَهُمَا ممَّن اسْتُشهِدَ يَومَ أُحُدٍ، فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا من مَكانِهِمَا" وكانا صِهْرَيْن واستشهدا يوم أُحُد ودُفِنَا في قبرٍ واحدٍ، فحفَر السَّيْلُ قبرهما (٥).
وقوله (٦):" لَا بَأْس أَنْ يُدْفَن الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ في قَبْرٍ وَاحدٍ، وَيُجْعَلَ الأَكبَرُ مِمَّا يَلِي القِبْلةَ" يريدُ: أنّه لا يُفْعَلُ ذلك إِلَّا من ضرورةٍ، وكذلك قال أشهب: لا يكفّنان في كفنٍ واحدٍ إِلَّا من ضرورةٍ.
المسألة الثّالثة (٧):
قال علماؤنا (٨): ويُقَدَّمُ في اللَّحْدِ الأكبرُ، ويُجْعَلُ مِمَّا يلي القِبْلَة، وهذا معنى التَّقديم في اللَّحْد.
(١) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٣/ ٢٢٥، وانظر العارضة: ٧/ ٢٠٦ - ٢٠٧. (٢) أخرجه أحمد: ٤/ ٢٠، وابن ماجه (١٥٦٠)، والنسائي: ٤/ ٨٣، والترمذي (١٧١٣)، قال: وهذا حديث حسن صحيح، والبيهقي: ٤/ ٣٤. (٣) الّذي وجدناه، ما في الواضحة لابن حبيب: "وإذا احتيج إلى دفن اثنين في قبر واحدٍ أو جماعة من الشهداء أو بوباء نزل، فلا بأس بذلك" عن النّوادر: ٣٦٧. (٤) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: ٣/ ٢٢٥ - ٢٢٦. (٥) نصّ على ذلك ابن عبد البرّ في الاستيعاب: ٢/ ٣٣٩ - ٣٤١، ٥٠٣ - ٣٠٦. (٦) أي قول مالك في الموطَّأ (١٣٤٩) رواية يحيى. (٧) هذه المسألة اقتبسها المؤلِّف من المنتقي: ٣/ ٢٢٦. (٨) المقصود هو الإمام الباجي.