وقال الشّافعيّ: من يمين القبر؛ لأنّ ابن عبّاس رُوِيَ أنّه أخذ من يمين القبر، وتلك عادة أهل المدينة.
وحُجَّةُ أبي حنيفة؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - أمر بإدخاله من جهة القِبْلَةِ، وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبّاس، وقد بَيَّنَا في "أنوار الفجر" أنّ آدم كان دفنه من جهة القِبْلَةِ، وذكر ذلك النَّخَعِي.
المسألة الثامنة:(٢)
فهذا أدخل الميت قبره، فإنّه يستحبُّ تلقينه في تلك السَّاعة، وهو مستحبٌّ، وهو فعلُ أهل المدينة والصالحين والأخيار؛ (٣) لأنّه مطابِقٌ لقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(٤) وأحوج ما يكون العبد إلى التّذكير بالله تعالى عند تغيّر (٥) الحال وخروج الرُّوح وعند سؤال الملك؛ لأنّه يخاف عند ذلك أنّ يختلسه الشّيطان فَيُذَكَّر بالله تعالى، ولقوله:"لَقِّنُوا أَمْوَاتَكُمْ لَا إِلَهَ إِلا الله"(٦).
قال الإمام: ولهذه النكتة اختلفَ استفتاحُ المصنِّفينَ في كتبهم في الجنائز، فأمّا البخاريّ فقال في كتاب الجنائز (٧): "مفتاح الجنّة: لا إله إلَّا الله"(٨) وأمّا مسلم (٩) فقال: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلَهَ إلا الله" لهذا المعنى؛ لأنّه موضع يتعرّض الشيطان فيه لإفساد (١٠) اعتقاده ودينه وآخرته ويجتهد في ذلك، فأمَر النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بذلك ليكون تذكيرًا له وتَنْبِيهًا لما وعدَ به - صلّى الله عليه وسلم -، ولما وقعَ في الحديثِ الآخَرِ أنّه "مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لَا إِلَهَ
(١) انظر كتاب الأصل: ١/ ٤٢١، ومختصر اختلاف العلماء: ١/ ٤٠٦. (٢) نقل المواق الغرناطي خلاصة الفقرة الأولى من هذه المسألة في سنن المهندين ١٠١ - ١٠٢. (٣) في سنن المهتدين: "من الأخيار" (٤) الذاريات: ٥٥. (٥) غ: "تغيير". (٦) أخرجه مسلم (٩١٧) من حديث أبي هريرة، بلفظ: "موتاكم" بدل: "أمواتكم". (٧) الكتاب (٢٣) باب في الجنائز (١). (٨) لفظ البخاريّ في الباب السابق: "وقيل لوهب بن مُنَبِّه: أليس لا إله إلَّا الله مفتاح الجنَّة؟ قال: بلى". (٩) في صحيحه (٩١٦) من حديث أبي سعيد الخدري. (١٠) غ، جـ: "لفساد" ولعلّ الصواب ما أثبتناه.