وقد أجازَ بعضُ العلماء السُّجود عند قوله:{وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}(١) ليكون ذلك عنده على الأخبار، وعلى الأصل الّذي ذكرناهُ.
المسألة الثّانية: في معرفة وجوب السُّجود (٢)
وهي مسألةٌ اختلفَ العلماءُ فيها، أعني وجوب سُجود التِّلاوة.
قال مالكٌ (٣) والشّافعيّ (٤) واللّيث (٥) والأَوزاعى: إنّ سجود القرآن سُنَّة وليس بواجبٍ.
وقال أبو حنيفة: هو واجبٌ (٦)، والأصلُ عنده في سجود التِّلاوة على الوجوب الآيات الواردة في ذلك والأحاديث، وذلك قوله:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ} الآية (٧)، وقوله:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} الآية (٨)، وقالوا: الّذي لا يتعلّق إلَّا بتَرْكِ الواجبِ. ولقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "أُمِرَ ابنُ آدم بالسُّجودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الجَنَّة"(٩) والأمرُ على الوجوبِ، وهي مسألةٌ مشكلةٌ عَوَّلَ فيها أَبو حنيفة على مُطْلَقِ الأَمْرِ، وأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يحافظ عليها.
قال الإمام: والحُجَّةُ لنا عليهم من وجهين:
١ - أمّا قولهم (١٠): إنّ الذَّمَّ لا يتعلق إلّا بتَرْكِ الوَاجبِ. يقال لهم: إنّ الذَّمَّ ها هنا للكُفَّار خاصّة، لقوله عَزَّ وَجَلَّ:{لَا يُؤْمِنُونَ}(١١) و {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} الآية (١٢)، فعلَّقَ الذَّمَّ بتَرْكِ الجميعِ؛ لأنّهم لو سجدُوا ألفَ مرَّة بالنَّهار مع
(١) فصلت: ٣٨. (٢) أغلب هذه المسألة مستفاد من شرح ابن بطّال: ٣/ ٦١ - ٦٢. (٣) في المدونة: ١/ ١٠٦ في ما جاء في سجود القرآن. (٤) في الأم: ١/ ١٣٦ (ط. دار المعرفة). (٥) الّذي في مختصر اختلاف العلماء: ١/ ٢٤٠ أنَّ اللَّيث كان يقول: "إنّما السّجدة على من جلس إليهما واستمع لها". (٦) انظر مختصر الطحاوي: ٢٩، والمبسوط: ٢/ ٤. (٧) مريم: ٥٨. (٨) الانشقاق: ٢١. (٩) أخرجه مسلم (٨١) من حديث أبي هريرة. (١٠) جـ: وجهين: أمّا الوجه الأوّل: أن قولهم". (١١) الانشقاق: ٢٠. (١٢) الانشقاق: ٢١.