وقيل فيه على وجه الجمع بينهما: إنه أراد بالنَّهيِ عن اليمين بالآباء الحلف في مقطع الحقِّ.
وجواب آخر - قلنا: ليس هذا بتعارضِ؛ لأنّ القولَ والفعلَ من النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يتعارضان، فالقولُ محمولٌ على عُمُومِه، والفعلُ مخصوصٌ بِهِ، ألَّا ترى إلى قوله:"مَنْ كَانَ حَالِفًا فَليَحْلِف بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ"(٢) ثمَّ أقسمَ اللهُ بالسَّموات والأرض والسَّحاب والرِّياح والسُّفن، ولم يكن ذلك معارضة.
جوابٌ ثالثٌ - قيل: إنّ ذلك كان في صدر الإسلام؛ لأنّ نفوسَهُم كانت مملوءة بتعظيم غير الله، فنهوا أنّ يعظِّموا غيرَهُ، فلمَّا امتلأت صدورهم من تعظيم الله، وتَيقَّنوا أنّه لا عظيم سِوَاهُ، رخّص لهم في (٣) سائر الألسنة على الإقسام بما شاؤوا من الكلام، ما لم يكن ذلك من قَبيل الأصنام.
جوابٌ رابعٌ- قيل: إنّما جَرَى ذلك في اللِّسان على غير قصد القَسَم، ألَّا ترى إلى قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}. الآية (٤)، قالت عائشة رضي الله عنها: هُوَ قَوْلُكَ: أَيْ وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ (٥). وإنّما كلامه إذا لم يقصد بها اليمين، ورأت أنّها لا تكون يمينًا إلَّا مع القَصْدِ إلى ذلك. وعَظَّم مالك حرمة اللَّفْظِ، ورأى أنّ ذلك يمينٌ بمجرَّدِ القَصْدِ إلى (٦) الذِّكْر.
عُدْنَا إلى سَرْدِ أقوال العلماء في الخمسة الأقوال المرويّة عنهم.