للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلمّا نزلوا بلبيس تذاكر عبّاس وأسامة مصر وطيبها، وما هم خارجون إليه من مقاساة السّفر ولقاء العدوّ، فتأوّه عبّاس أسفا على مفارقة لذّاته بمصر، وأخذ يثرّب على العادل بن السّلار، فقال له أسامة: لو أردت كنت أنت سلطان مصر؛ فقال: كيف لي بذلك؟

قال: هذا ولدك ناصر الدّين بينه وبين الخليفة مودّة عظيمة، فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع زوج أمّك، فإنّه يحبّك ويكرهه، فإذا أجابك فاقتله وصر في منزلته.

فأعجب عبّاس ذلك، وجهّز ابنه لتقرير ما أشار به أسامة، فسار إلى القاهرة ودخلها على حين غفلة من العادل، واجتمع بالخليفة وفاوضه فيما تقرّر، فأجابه إليه، ونزل إلى دار جدّته وكان من قتله للعادل عليّ بن سلار ما كان.

فماج النّاس، وسرح الطّائر من القصر إلى عباس وهو على بلبيس في الانتظار، فقام من فوره ودخل القاهرة سحر يوم الأحد ثاني عشر المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، فوجد عدّة من الأتراك قد نفروا وخرجوا يدا واحدة إلى الشّام، فصار إلى القصر، وخلع عليه خلع الوزارة، فباشر الأمور، وضبط الأحوال، وأكرم الأمراء، وأحسن إلى الأجناد.

وازدادت مخالطة ولده للخليفة، فخاف أن يقتله ما قتل ابن السّلار، فما زال به حتى قتل الخليفة الظّافر كما تقدّم ذكره (١)، وصار إلى القصر على العادة. فلمّا جلس في «مقطع الوزارة» (٢) سأل الاجتماع بالخليفة (a)، فدخل الزّمام إلى دور الحرم فلم يجد الخليفة، فلمّا عاد إليه أحضر أخوي الظّافر واتّهمهما بقتله وقتلهما قدّامه، واستدعى بولد الظّافر عيسى ولقّبه بالفائز بنصر اللّه؛ فكثرت (b) النّياحة على الظّافر، وبحث أهل القصر على كيفية قتله، فكتبوا إلى طلائع ابن رزّيك - وهو والي الأشمونين - يستدعونه فحشد وسار. فاضطرب عبّاس، وكثرت مناكدة أهل القاهرة له، حتى إنّه مرّ يوما فرمي من طاق (c) يشرف على شارع بقدر مملوءة طعاما حارّا، فعوّل على الفرار، وخرج ومعه ابنه وأسامة بن منقذ وجميع ما لهم من أتباع ومال وسلاح.

ودخل طلائع إلى القاهرة، واستقرّ في وزارة الخليفة الفائز، فسيّر أهل القصر إلى الفرنج البريد بطلب عبّاس، فخرجوا إليه. وكانت بينهم وبينه وقعة فرّ فيها عنه (d) أسامة بجماعة إلى الشّام،


(a) بولاق: على الخليفة.
(b) بولاق: وكثرت.
(c) بولاق: طاقة.
(d) ساقطة من بولاق.
(١) فيما تقدم ٨٥ - ٨٦.
(٢) انظر عن مقطع الوزارة، فيما تقدم ٢٩٠: ٢ هـ ٤.