وأما الكي فكوى النبي ﷺ سعد ليرقأ الدم عن جرحه (١)، خاف أن ينزف فيهلك، والكيُّ من العلاج الذي يستعمله العرب كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء، وقالوا: آخر الدَّاءِ الكَيُّ (٢)؛ قال شاعرهم:
وأما حديث عمران بن حصين ﵁ في النهي عن الكي (٤)، فإنما نهي عنه لئلا يروا أنه يبرئ ويذهب الداء، وإذا لم يفعل ذلك هلك صاحبه، نهاهم عن ذلك لأجل هذا، وحيث أباح لهم استعماله أباحه على معنى التوكل على الله سبحانه؛ والترجي للبرء بما يُحدث الله ﷿ من صنعه فيه، فيكون الكي والدواء سببا لا علة، وكثيرا ما نسمع الناس يقولون: لو أقام فلان بأهله وبلده لم يهلك، وإن شرب الدواء لم يَسقم، ونحوَ ذلك من تجويز إضافة الأمور إلى الأسباب؛ دون تغليب المقادير فيها، والأسباب أمارات لا موجبات، وقد قال الله في كتابه: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨]، وقال حكاية عن الكفار: ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٥٦]، وقد أصاب أبو ذؤيب في قوله: