أريد بالبحر القُرى، والعرب تسمي القرى: البحار، قال أبو دواد:
وَلَنَا البَدوُ كُلُّه والبِحَارُ (١)
يعني القرى، وقوله:(يُخَفِّضُهُم)؛ أي: يُسكِّنُهم، وقوله:(شَرِقَ بِذَلِكَ)؛ يقال: شَرِق بالماء؛ أي: غَصَّ به شرَقًا، والمعنى: لم يَتمَّ أمرُه فكره هذا، و (العِصَابَة): ما يُعْصَب به الرأس، يقال: عصَّب رأسه بالعصابة؛ واعتصب فلان بالتاج والعمامة، وعصبت فخذ الناقة لتدرَّ، وعَصَب القومُ بفلانٍ: أحاطوا به، وبه سُمّيت العُصْبة، وناقةٌ عَصوبٌ: لا تُدرّ حتى تُعْصَب.
وفي الحديث دلالة على كفر المنافقين؛ وأنهم إنما كانوا يتسترون بالإسلام، وفي بعض روايات مسلم:(وذَلِكَ قَبلَ أَنْ يُسلِمَ عَبدُ اللهِ بنُ أُبَي).
[ومن باب قتل أبي جهل بن هشام]
[٤٣١] حديث أنس ﵁: (قَالَ أَبُو جَهلٍ: فَلَو غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي)(٢) يريد الأنصاريَ الذي قتله، وكانت الأنصار أصحاب نخلٍ وزرعٍ، والذي قتل أبا جهل ابنا عفراء، وقوله:(حَتَّى بَرَدَ)(٣) أي مات، وفي قوله:(مَنْ يَعْلَمُ لِي مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ)؛ فيه دليل على جواز الفرح بهلاك العدوّ.
(١) عجز بيت لأبي دواد جارية بن الحجاج الإيادي، روي بألفاظ متقاربة، منها: (لهم الخيل كلها والبحار)، وصدره: (بَعدَما كَانَ سَرب قومي حينا)، ينظر: تهذيب الآثار: ٣/ ٨٧، الغريبين: ١/ ١٤٦، ديوان أبي دواد: ٩٨. (٢) أخرجه مسلم برقم: ١٨٠٠، وأخرجه البخاري: ٤٠٢٠. (٣) عند مسلم: (حَتَّى بَرَكَ)، وما ذكره المؤلف هي رواية الكافة، ووقعت كذلك في لفظ البخاري، ورواية: (حَتَّى بَرَكَ)، هي رواية السمرقندي، وهي أنسب للمعنى، لأن أبا جهل لم يمت من ضربة الغلامين، إلا أن يكون معنى (برد): فتر وسكن، ينظر مشارق الأنوار: ١/ ٨٦.