[٤٧٧] وقوله: (لَا هِجْرَةَ بَعدَ الفَتحِ)(١)؛ الهجرة في الأصل كانت تركه مكة والخروج منها إلى المدينة، ثم صارت الهجرة بعد ذلك هجرة المعصية، ولذلك قال:(جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)؛ وفيه دليل أن النفير إذا وقع؛ وجب على المطيق جهادُ العدو، لقوله:(فَانفِرُوا).
* * *
[٤٧٨] وقوله ﷺ: (إِنَّ شَأنَ الهِجرَةِ لَشَدِيدٌ)(٢)؛ أي: الانقطاع إلى الله بالطاعة من المعصية، قيل: كان عَظُم الخوف في أول الإسلام من قريش؛ وهم أهل مكة، فلما فُتِحت مكة؛ وأسلم أهلها؛ ارتفع وجوبُ الهجرة، وعاد الأمر فيها إلى النّدب والاستحباب.
وقوله:(وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)(٣)، فيه إيجاب النفير والخروج إلى العدو إذا وقعت الدعوة، وهذا إذا لم يكن فيمن بإزاء العدو كفاية؛ كان ذلك فرضا، والاختيار: للمطيق مع وقوع الكفاية بغيره؛ أن لا يقعد عن الجهاد، قال الله ﷿: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ [النساء: ٩٥].
قوله:(فَاعمَل مِن وَرَاءِ البِحَارِ)(٤)؛ أي: فاعمل أقصى ما يمكنك من العمل بطاعة الله،: (فَإِنَّ الله لَن يَتِرَكَ مِن عَمَلِكَ شَيئًا)؛ أي: يضعه يوم القيامة في ميزانك وافيًا وافرًا، وفي الحديث دليل على الأمر بعمل الخير لمن اشتدت عليه الهجرة، وفي نسخة:(لَن يَتَّرِكَ)؛ وهو يفتعل من التَّرك (٥).
(١) حديث عائشة: أخرجه مسلم برقم: ١٨٦٤، والبخاري: ٢٧٨٣، من رواية ابن عباس. (٢) حديث أبي سعيد: أخرجه مسلم برقم: ١٨٦٥، والبخاري: ٣٩٢٣. (٣) الحديث: ١٨٦٤. (٤) الحديث: ١٨٦٥. (٥) ينظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري ٩/ ١٥.