وبصرف النظر عمّا إذا كانت هذه الآية قد نزلت في أبي بكر الصديق ﵃ أو في غيره خاصة، كما تذكر التفاسير، فإن لها دلالة عامة، وبالغوص في أعماق هذه الوصاة القيّمة من لدن حكيم خبير، يمكن أن يُستنبط بعضاً من جواهرها، فالآية تتضمن أن التوجّه إلى الله بالكليّة بعد سنّ الأربعين من أعلى مقامات الشكر. فسن الأربعين هو زمن استكمال القوة العقلية، حيث يكون الفرد قبل ذلك ملتهياً في متطلبات الحياة، جاهداً في تحصيل مال أو علم أو اكتساب عمل، وعند بلوغه سن الأربعين يشعر بالتقصير في جنب الله، فيتوجّه فيما تبقّى من عمره إلى تحصيل آخرته، لاهجاً بالشكر والثناء على من أنعم عليه وعلى والديه لأنه امتدادٌ لهما، ويصلح له ذريته الذين هم امتداد له، وأن يستعملهم جميعاً في طاعته.
وإذا افتُرض جدلاً أن عمر الإنسان يتراوح بين الستين والسبعين (١)، فإنه في سنّ الأربعين يكون قد تجاوز الثلثين من عمره، ولم يتبق له من العمر إلا الثلث، الذي هو أوج تكوينه العقلي والمالي والنفسيّ، فيحسن عندئذٍ التوجه بهذا الثلث إلى ربه شاكراً حامداً عابداً سائلا إياه أن
(١) إشارة إلى حديث: (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ) وهو في سنن ابن ماجة، (٥/ ٣١١/ ح ٤٢٣٦)، وسنن الترمذي، (٥/ ٥٥٣/ ح ٣٥٥٠) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.