إن الترهيب بالمماثلة في الوزر يدلّ ضمناً على ولوج درب شائك، و تباعد عن درب القبول، فلا يُتصور أن يكثر العبد الذنوب ثم يكون من الله مقرباً ومحبوباً، وانظر إلى نوع الذنب وشدة مقت الله لصاحبه، فبحسب موقع الذنب عند الله وبغضه له يكون بعد صاحبه عن مناهل القبول وأسباب المغفرة. ففي الآية السابقة تشديد في التحذير من التمادي مع أهل الباطل، وممالأتهم على ما هم فيه من ضلال، والمعنى إنكم إن جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون، فإن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذاً مثلهم في ركوبكم معصية الله، ومثلهم في استحقاق العقوبة (١). فهؤلاء الذين يستهزئون بالدين، ويستهينون بحرمات الله، أولئك على نأيٍ من أسباب القبول، ومجالستهم إنما هي على شفا جرف هار، ولسوف يحملون معهم ما حملوا من آثام وأوزار.
[٢ - الترهيب بضرب المثل]
من أبلغ الوسائل الوعظية والترهيبية تصوير حال أهل الضلال والزيغ، وتمثيل حالهم بأمور محسوسة في الواقع لدى المتلقي، ليكون ذلك أوقع في الإقناع، وأبعد من سيء تلك الصفات
(١) ينظر تفسير الطبري (٩/ ٣٢٠)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٤٣٤)، وتفسير القاسمي (محاسن التأويل) (٣/ ٣٧٣).