فالتصنيف بلفظ (مؤخرات القبول) هو باعتبار ما يستوجب تقديم المؤاخذة والعقاب يوم القيامة، فالقبول قبولان قبول مباشر لا عذاب معه، وقبول مؤخر يسبقه مؤاخذة وعقاب، وقد تدخل في مؤخرات القبول بعض الأعمال المحبطة لعمل معين في المطلب الثاني من هذا الفصل كشرب الخمر لمن لم يتب منه قبل الموت.
فالقبول المؤخر يسبقه خوفٌ وحزن; خوفٌ من العقاب، وتوجسٌ مما هم قادمون عليه، وحزنٌ تتقطع له قلوبهم حسرات على ما قدّموا وبارزوا الربّ جلّ وعلا بعظيم الجنايات، واحتمالية عذاب وهؤلاء هم أصحاب الكبائر كما ذكر سابقاً إن لم يتغمدهم الله برحمته، وغيرهم من المصرين على الذنوب، المنتهكين لحرمات الله، ولم يتوبوا ولكنهم ماتوا على الإسلام. وقد كان السلف يقولون: النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال (١).
ومن رحمة الله بالعبد أن وضع له مراحل متعددة يتدارك فيها خطيئته ويمحو من خلالها حوبته قبل العرض عليه، حتى يطيب قلباً وقالباً، فالله تعالى هو الطيب في ذاته وصفاته لا يقبل إلا طيباً، ولا يُدخل جنّته إلا كل صَفيّ نقيّ، وقد فصّل ابن القيم (٢) في مدارجه تلك المراحل
(١) ينظر تفسير القرآن الكريم لابن القيم (١/ ٨٩). (٢) ينظر مدارج السالكين (١/ ١٦٢).