وقبول العمل الصالح في عصر الفتن يتضاعف خمسين ضعفاً، قال النبي ﷺ:(فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً: الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ). قَالَ عَبْدُ الله ابْنُ المُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله! أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ:(لَا؛ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)(١).
فيظهر هنا أن أجر القليل من الآخرين في زمن الفتن أكبر من أجر الأولين، كيف لا وهم يجدون على الحق معيناً ولا يجد هؤلاء (٢). فالزمن زمن غفلة، أحاطت بأهله الفتن والشهوات والمشاغل، وكلما زاد إعراض الناس وغفلتهم والحرب على دينهم، زاد أجر العاملين وتضاعف.
قال ابن القيم يصف المؤمن في ذلك الزمان: "فَهُوَ غَرِيبٌ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ لَا يَجِدُ مِنَ الْعَامَّةِ مُسَاعِداً وَلَا مُعِيناً فَهُوَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، صَاحِبُ سُنَّةٍ بَيْنَ أَهْلِ بِدَعٍ،
(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه (٢/ ١٠٩/ ح ٣٨٥)، والبيهقي في الشعب، (١٢/ ٢٠١/ ح ٩٢٧٨) وأبو داود، كتاب الملاحم (/ ١٢٣/ ٤٤٣٤١)، وقال الألباني في ضعيف أبي داود: -ضعيف لكن فقرة أيام الصبر ثابتة-. (٢) وهذا لا ينافي أن فضل صحابة رسول الله ﷺ أعظم من غيرهم، وهو كما ذكرت قبول مضاعف للعمل في زمن الفتن فهؤلاء يزيدون عليهم في الأجر وليس في الفضل … فقد قال ﷺ: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم … ) رواه الترمذي (٥/ ٥٦٩/ ح ٣٨٥٩) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فلن يبلغ أحد مِنْ المتأخرين مُدَّ أحدهم ولا نصيفه.