للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثَلهم في ذلك مثَل طلاب في فصل كلهم أوائل متميزون، كلٌ يسعى لحيازة الدرجات العُلى، فأضحى التنافس بينهم على أشده؛ فما أصعبه من تنافس؛ يواصل أحدهم ليله بنهاره منكبّاً على كتبه ودراسته حتى يفوز ويتفوق على أقرانه.

أما اليوم بعد أن قل المتنافسون على الوظيفة، وبعد أن ألهتهم عنها الفتن والأهواء وشتى الملهيات، قلّت شروطها ومتطلباتها، وفي الحديث: (إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا) (١). ويؤيده قوله : (إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، من ترك عشر ما يعرف فقد هوى، ويأتي من بعد زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا) (٢).

"وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: يَحْدُثُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يُنَاسِبُهُمْ " (٣). فلعل الله أن يتقبّل أعمالهم بحسب ظروفهم في كل زمان.

ومع ذلك فإن هؤلاء القلة من المتأخرين قد يفضلون في الأجر من سبقهم من الأولين المجتهدين؛


(١) أخرجه الترمذي في السنن (٧٩) (٤/ ٥٣٠/ ح ٢٢٦٧)، وقال الألباني: "صحيح" في صحيح الترمذي.
(٢) رواه العسقلاني في إتحاف المهرة (١٠/ ٥٠١/ ح ١٣٢٨٩)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٥١٠).
(٣) البحر المحيط في أصول الفقه (١/ ٢١٨).

<<  <   >  >>