للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء الظالمون لأنفسهم هم المُرْجَؤُون للمشيئة الإلهية؛ فإما أن يعفو الله عنهم وإما أن يعذبهم على تقصيرهم كما قال: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٦] فهم على خطر من التعرض للعذاب في البرزخ، وإن لم يفِ عذاب البرزخ بتمحيصهم من الذنوب فقد يتعرضون للعذاب في عرصات يوم القيامة حتى يخلُصوا من الذنوب، فإذا خلصوا وطابوا دخلوا في جملة الذين يقال لهم: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣]. وإلا محّصوا في النار قبل دخولهم الجنة ثم تُقبل طاعاتهم وحسناتهم التي عملوها.

فقبول هؤلاء ينجيهم من الخلود في جهنم ثم يكون مآلهم بعد التمحيص، إلى الجنة بعد عفو الله تعالى. وهم درجات متفاوتة " أَنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ تَمَسُّهُمُ النَّارُ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، مُتَفَاوِتُونَ تَفَاوُتًا بَعِيدًا: مُتَفَاوِتُونَ فِي مِقْدَارِ مَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، ومنهم من تأخذه كُلَّهُ إِلَّا مَوَاضِعَ السُّجُودِ. وَكَذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ فِي مِقْدَارِ لَبْثِهُمْ فِيهَا وَسُرْعَةِ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَوْلَاهُ لَكَانُوا مَعَ الْكَافِرِينَ خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ أَبَدًا" (١). وقد أشار القرآن إلى الظالم الموحّد في سورة فاطر بلفظ ﴿ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [٣٢].


(١) معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي (٣/ ١٠٠٨).

<<  <   >  >>