للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤتمّ به وقيل معلم الناس الخير.

وأوضح ابن القيم: أن الفرق بين "الأمة" و "الإمام" من وجهين، أحدهما: أن الإمام كل ما يؤتم به، سواء كان بقصده أو بغير قصد، ومنه سمي الطريق إماماً (١) كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ٧٨ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٨ - ٧٩] أي: بطريق واضح يتبعه الناس ويقصدونه في أسفارهم. أما لفظ

﴿أُمَّةً﴾ ففيه زيادة معنى أي هو الذي تميّز فيها فرداً وحده، وجمع خصال الكمال في العلم والعمل التي تفرقت في غيره، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه. فكان أمة يتّبعه الناس ليأخذوا منه الخير.

كما يدلّ لفظ ﴿أُمَّةً﴾ على معنى آخر: فالأمة هي الطَّائِفَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّاسِ الَّتِي تربطها صفة جَامِعَةٌ، وَوَصْفَ إِبْرَاهِيمَ- بِذَلِكَ وصفٌ بديع جَامع لِمَعْنَيَيْن:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَضْلِ وَالْكَمَال بِمَنْزِلَةِ أُمَّةٍ كَامِلَة، وكما قال البُحتُرِيّ:

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا … لَدَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ (٢)

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً وَحْدَهُ فِي الدِّينِ والهداية، حيث أنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ بِعْثَتِهِ شخصٌ مُوَحِّدٌ لِلَّهِ


(١) ينظر مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ١٧٤).
(٢) ديوان البحتري ص: ٦٢٥.

<<  <   >  >>