وقال عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه قال: أمر اللَّه تبارك وتعالى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وأهل الإسلام أن يعفوا ويُعرِضوا عن أهل الشرك مدة مُقامهم بمكة، في آيٍ كثير، ذكرنا منها قوله سبحانه:{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الجاثية: ١٤]، وقال:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحجر: ٩٤]، وقال سبحانه:{وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: ١٩٩]، وقال تبارك اسمه:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا}[النجم: ٢٩]، وقال عز وجل:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات: ٥٤]، {فَاصْفَحْ (١) عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٩]، وقال تبارك وتعالى:{وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[المزمل: ١٠](٢).
قال القاضي: فأمر اللَّه عز وجل رسولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا وأمثاله في تلك السنين، فأسلم فيها رجال ونساء لهم ثروة ومنعة، فقالوا: يا رسول اللَّه لو أذِن اللَّه تبارك وتعالى لنا انتصَرنا من هؤلاء المُشركين، فأنزل اللَّه عز وجل:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، ثم أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصبر، يقول: واصبر أنت يا محمد فلا تكن ممّن ينتصِر، ثم قال له:{وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}، فأمرَه بالعفو والمغفرة قبل الانتصار.
وقال اللَّه تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٣٩]، ثم قال سبحانه:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]، ثم قال عز من قائل: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: ٤١ - ٤٢]، وقال
(١) قي الأصل: واصفح. (٢) أثر ابن زيد أخرجه ابن جرير في تفسيره (٧/ ٦٦٥).