يوفقهم الله سبحانه إلى هذا الموقف، ويربط على قلوبهم فيه، لم يكن منهم هذا الصبر على البلاء، ولا احتمال هذا المكروه الذي وقعوا فيه. وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ أي: الكثير القبول للتوبة، المتجاوز عن الذنب، الرَّحِيمُ بهم بعد التوبة (١).
وهنا يشعّ من بين حروف الآية الكريمة معنىً واضحٌ لا لبس فيه وهو أن توبة الله على العبد سابقةٌ ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ ولاحقة ﴿لِيَتُوبُوا﴾ بتوفيق منه، فالله جل وعلا ينظر إلى قلب العبد فإن رأى إرادة الندم، وصدق النية، وقلق النفس وتأنيب الضمير، واستعظام ما أقدم عليه في حق خالقه، وفّقه للتوبة وهداه إليها، فإن تاب وأصلح تقبّله وتقبّل منه.
فمن موجبات القبول التوبة عن المعصية، لأنها تصحّح للمؤمن إيمانه، وتقيل عثرته، فإن المعاصي قد تقف سداً منيعاً عن قبول العمل، إذ كيف يجرؤ عبد أن يعصي سيده ويستجلب نقمته عليه، ثم يسأله ويطلب منه. وبالرغم من أن ابن آدم خطاء ومن طبيعته الزلل، وتجرّه أهواؤه للوقوع في دائرة الخطل، وَقد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)(٢) والاستغفار جابر
(١) ينظر تفسير السمر قندي (٢/ ٩٦)، وتفسير ابن عثيمين (١/ ١٣٦)، والتفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب (٦/ ٩١٢)، و فتح القدير للشوكاني (٢/ ٤١٧). (٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٤/ ٢١٠٦/ ح ٢٧٤٩).