للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعلي أوضح ذلك بمثال بشر بن الحارث الحافي أحدُ كبار الزهّاد من أتباع التابعين كان قاطعاً للطريق، وقُطاع الطريق من أشدِّ الناس أذيةً للخلق، وكان سببُ توبتِه، ونحسب أن الله قد تقبّله ورفعه، أنَّه وجد قرطاساً كُتب فيه اسم الله فعَظُمَ ذلك عليه ورفع طرْفه إلى السماء وقال: "سيدي اسْمُك ها هنا مُلقَىً" فرفعه من الأرض وقلع عنه القذرَ الذي أصابه وأتى عطاراً فاشترى بدرهم طِيباً غاليَ الثمن لم يكن معه درهم سواه وطيَّب القرطاسَ بالطِّيب فأدخلَه شقَّ حائطٍ وانصرف إلى صديق له وكان يُجالسه فقال له يوماً: والله يا أخي لقد رأيتُ لك في هذه الليلة رؤيا ما رأيتُ أحسنَ منها ولستُ أقولُ لك حتى تُحدِّثَني ما فعلتَ في هذه الأيامِ فيما بينَك وبين الله؟ فقال ما فعلتُ شيئاً أعلمُه غير أني … فذكر له الحادثة. فقال له رأيتُ كأن قائلاً يقولُ في المنام قُلْ لبشرٍ يرفعُ اسماً لنا من الأرضِ إجلالاً أنْ يُداسَ لَنُنَوِّهَنَّ باسْمِك في الدنيا والآخرة. وفي رواية: طيَّبْتَ اسمي لأُطَيِّبَنَّ اسمك في الدنيا والآخرة (١).

وأصبح بِشرٌ ممن يُشهد لهم بالصلاح بإحسانه في عمل قد يحسَبه هَيِّناً وهو عند الله عظيم. فأنزل الله على قلبه الهدايةَ حتى صار من العلماء الأجِلاَّء وكان الإمام أحمد بن حنبل يُحبه ويُجِلُّه.


(١) ينظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (٨/ ٣٣٦)، والبداية والنهاية لابن كثير (١٠/ ٣٢٧)، وتاريخ مدينة دمشق (١٠/ ١٨١).

<<  <   >  >>