للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبُ إِلَّا أَنْتَ) (١).

وقد ذكر ابن القيم أن هَذَا الِاسْتِغْفَارُ تضمّنَ اعتراف العبد بربوبية الله، وإلهيته وتوحيده، وبأنه الخالق العالم به، وَالِاعْتِرَاف بِأَنَّهُ عَبْدُهُ المنطرح بين يديه وفي قبضته، لَا مَهْرَبَ لَهُ مِنْهُ، وَلَا وَلِيَّ بِهِ سِوَاهُ، ثُمَّ الْتِزَام الدُّخُولِ تَحْتَ عَهْدِهِ - وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ - والاعتراف بالنعمة، والإقرار بالذنب، فَمِنْ الله النِّعْمَةُ وَالْإِحْسَانُ وَالْفَضْلُ، وَمِنْ العبد الذَّنْبُ وَالْإِسَاءَةُ،

ولِهَذَا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ، فهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ،، مَعَ مُشَاهَدَتِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَعَمَلِهِ، وَمِنَّة اللَّهِ عَلَيْهِ؟ فَهَذَا الَّذِي يُعْطِيهِ نَظَرُهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُشعره بنَقْصِه وتقصيرهِ (٢).

والله تعالى يفرح بتوبة عبده، وفرح الله تعالى يستلزم قبوله ورضاه ومحبته ورحمته ومغفرته للعبد التائب فكيف بالتوّاب، وفي الحديث: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ


(١) ينظر الحديث بتمامه في صحيح البخاري (٨/ ٦٧/ ح ٦٣٠٦).
(٢) ينظر مدارج السالكين ص: ٢٣٧.

<<  <   >  >>