للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحب الله من هو معرض عن محابّه، مبارز له، سادر في مساخطه، وكيف يعذب الله بالنار من يحب؟!

لذا فقد قَرن الله تعالى محبته للعبد بأعمال مخصوصة تمحّص درجة المؤمن وترفعه، وتحقق المزيد من محبة الله له، وبناء على الآية السابقة يظهر أن أمة الاتباع هي المحبوبة ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] وتتفاوت المحبة بحسب ذلك الاتباع، حتى يصل العبد للمحبة الخاصة (١) التي ذكرها الرسول في قوله: ( … وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ (٢) حَتَّى أُحِبَّهُ) (٣). وقد عدد الله تعالى في القرآن الكريم فئاتاً من المؤمنين اتصفوا بصفات تعلو بدرجة إيمانهم وتستلزم محبة الله لهم وقبوله الخاص، وتتفاوت المحبة في درجتها وخصوصيتها بحسب قوة العبد في تحقيق تلك الصفة ومن تلك الفئات:


(١) ينظر أثر الإيمان في تحصين الأمة لعبد الله الجربوع، (١/ ٢١٢)، والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص: ٩٣.
(٢) وللفائدة فقد فصل ابن تيمية في شرح التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فذكر أن التقرب بالنوافل يتفاوت من عبد لآخر بحسب مواردة وطاقته فقال: " فَإِنَّ كُلَّ تَنَوُّعٍ [من أنواع العبادة] يَقَعُ فِي الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيَزْدَادُ الْمُسْتَحَبُّ بِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ إنَّمَا يَسْتَحِبُّ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهَا: ﴿وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ﴾ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَفْعَلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَهَذَا يَتَنَوَّعُ تَنَوُّعًا عَظِيمًا فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ يَكُونُ الْمُسْتَحَبُّ لَهُمْ مَا لَيْسَ هُوَ الْأَفْضَلَ مُطْلَقًا؛ إذْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْأَفْضَلِ وَلَا يَصْبِرُونَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَقَدْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بَلْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ إذَا طَلَبُوهُ مِثْلَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَهْمُ الْعِلْمِ الدَّقِيقِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ … ) ينظر المزيد في مجموع الفتاوى (١٩/ ١١٩).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٨/ ١٠٥/ ح ٦٥٠٢).

<<  <   >  >>