وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: «إلَيْهِ يَعُودُ»: أَنَّهُ يُرْفَعُ مِنْ الصُّدُورِ وَالمَصَاحِفِ؛ فَلَا يَبْقَى فِي الصُّدُورِ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا مِنْهُ حَرْفٌ، كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ آثارٍ» (١).
وأمَّا قوله ﵀: «وَأَنَّ هَذَا القُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً، لَا كَلَام غَيْرِهِ» فيريدُ به شيخُ الإسلامِ: أنَّ اللهَ تكلَّمَ بالقرآنِ حقيقةً، وَأَنَّهُ لَيسَ بِكَلَامِ جبريل، وَلَا كلامِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
وفي قوله ﵀: «وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ القَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ عِبَارَةٌ» يُشير به إِلَى الكُلَّابيَّة الذينَ قالوا: إِنَّهُ حكايةٌ، وَإِلَى الأشاعرةِ الذينَ قالوا: إِنَّهُ عبارةٌ، فالكُلَّابيَّة والأشاعرةُ متفقونَ عَلَى أنَّ هَذَا القرآنَ الذي بَينَ أيدينَا ليسَ كلامَ اللهِ، بَلْ هُوَ إِمَّا حِكَاية أَوْ عبارَة؛ فَالأشاعرةُ يقولونَ: إِنَّ اللهَ عَبَّرَ عن كلامِهِ النفسِيِّ بحروفٍ وَأصواتٍ مخلوقةٍ.
والكُلَابيَّة يقولونَ: إنَّ القرآنَ معنى قائم بذاتِ اللهِ، وأنَّهُ لا يُسْمَعُ عَلَى الحقيقةِ، والحروفُ والأصواتُ حكايةٌ لَهُ ودالَّةٌ عَلَيهِ، كَمَا يَحْكِي الصَّدَى كلامَ المتكلِّمِ.
وقوله ﵀: «بَلْ إذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي المَصَاحِفِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ اللَّهِ حَقِيقَةً؛ فَإِنَّ الكَلَامَ إنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لَا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا» - يريدُ به شيخُ الإسلامِ ﵀: أنَّ القرآنَ-وإن حُفِظَ في الصُّدورِ، أو تُلِي
(١) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٥٢٨، ٥٢٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute