للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواجبُ في معرفةِ القَدَر الذي هو الإيمانُ بتَقَدُّمِ عِلْمِ الله بما يكون مِنْ أسباب الخَلْق، وصدورِ جميعِ المخلوقات عن تقديرٍ منه يَتَمَحْوَرُ على أمرين أساسيَّيْن وهُما:

الأوَّل: وجوبُ الإيمانِ بالقَدَر، والإقرارِ بجميعه، والاعتمادِ في معرفته على الكتاب والسنَّة، والحذرِ مِنْ الاعتماد على نظرِ العقل والقياس المحض.

الثاني: التسليمُ بقضاءِ الله وقَدَرِه، وتركُ التنقير والبحث عن القَدَرِ والتعمُّقِ في التفكير فيه والنظر، واجتنابُ السؤالِ عنه والمُناظَرةِ عليه والخصومةِ به؛ «لأنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ الله ﷿، بل الإيمان بما جَرَتْ به المَقاديرُ مِنْ خيرٍ أو شرٍّ واجبٌ على العباد أَنْ يُؤْمِنوا به، ثمَّ لا يأمن العبدُ أَنْ يبحث عن القَدَرِ فيُكذِّبَ بمَقاديرِ اللهِ الجاريةِ على العباد؛ فيَضِلَّ عن طريقِ الحقِّ … هذا مذهبُ المسلمين، وليس لأَحَدٍ على الله ﷿ حجَّةٌ، بل لله الحجَّةُ على خَلْقه، قال اللهُ ﷿: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَو شَاءَ لَهَدَاكُم أَجمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩]» (١)

ولهذا نَهَى النبيُّ عن التنقير والبحثِ عن القَدَرِ وعَدَمِ التوقُّف عند بابِه في قوله : « … وَإِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا» (٢)

وقوله: "خيره وشره" هذا اللفظ ورد في قوله عندما سأله


(١) «الشريعة» للآجُرِّي (٢/ ٧٠٢)، وانظر: «الإبانة» لابن بطَّة، الكتاب الثاني: القَدَر، المجلَّد (١/ ٢٤٦).
(٢) أخرجه الطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (١٠/ ١٩٨)، وأبو نُعَيْمٍ في «الحِلْية» (٤/ ١٠٨)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ مرفوعًا. وهذا الطريقُ حسَّنه ابنُ حجرٍ في «الفتح» (١١/ ٤٧٧)، وله طُرُقٌ أخرى صحَّحه الألبانيُّ بمجموعها، انظر: «السلسلة الصحيحة» (١/ ٤٢ - ٤٦).

<<  <   >  >>