وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي:
القول الأول:
أن المراد بالكرسي: العلم.
وهذا القول هو قول الجهمية (١)، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فراراً منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس ﵄ في تفسير قوله تعالى ﴿وسع كرسيه السموات والأرض﴾، قال:(كرسيه علمه)(٢).
وهذا القول قد رجحه الطبري بقوله: (وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن، فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عنه
(١) انظر التنبيه والرد (ص ١٠٤)، والكشاف (١/ ٣٨٥ - ٣٨٦)، ومجموع الفتاوى (٥/ ٦٠)، والرد على بشر المريسي (ص ٧١)، وتفسير روح المعاني (٣/ ١٠). (٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٣/ ٩). وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (٢/ ١٦٧). وابن منده في الرد على الجهمية (ص ٤٥). وأورده ابن كثير في تفسيره (١/ ٣٠٩)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وجميعهم من طريق مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، وهو حديث غير صحيح. وقال الدارمي: (هو من رواية جعفر الأحمر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذا قد خالفه الرواة المتقنون). وقال ابن منده: (لم يتابع عليه جعفر وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير).