بالألسنِ، أو كُتِبَ في المَصاحفِ، أو سُمِعَ بالآذانِ-فإنَّ ذلكَ لا يُخرجُهُ عن كونِهِ كلام اللهِ وإن بلغهُ الرسولُ المَلَكِي جبريلُ للرَّسولِ البشريِّ محمَّدٍ ﷺ، وبلغَهُ نبينا محمَّد ﷺ لأُمَّتِهِ، فإنَّ الكلامَ إنَّما يُضَافُ حقيقةً إلى مَنْ قالَهُ مُبتدئًا، لا إِلَى مَنْ قالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.
قال العلَّامةُ ابنُ عُثَيمين ﵀: «قوله: «هو كلامُ الله؛ حُرُوفه ومَعانيه» -هذا مذهبُ أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة. قالوا: إنَّ اللهَ-تَعَالَى-تَكَلَّمَ بالقرآنِ بِحُرُوفِهِ وَمَعانِيهِ.
وقوله: «ليس كلامُ الله الحُرُوفُ دون المعاني». وهذا مذهبُ المعتزلَةِ وَالجهميَّةِ؛ لِأَنَّهُم يقولونَ: إِنَّ الكلامَ ليسَ معنًى يقومُ بذاتِ اللهِ، بل هُوَ شيءٌ مِنْ مَخلوقَاتِهِ؛ كَالسماءِ والأرضِ والناقةِ والبيتِ، وما أشبهَ ذلكَ؛ فليسَ معنًى قائمًا فِي نفسِهِ، فكلامُ اللهِ حروفٌ خَلَقهَا اللهُ ﷿، وَسَمَّاها كلامًا، كَمَا خَلَقَ الناقةَ، وسمَّاهَا ناقة اللهِ، وَكَمَا خَلَق البيتَ، وَسَمَّاه بَيت اللهِ.
وَلِهَذَا كانَ الكلامُ عندَ الجهميَّةِ والمعتزِلَةِ هُوَ الحروفُ؛ لِأَنَّ كلامَ اللهِ عندَهُم عبارةٌ عَنْ حروفٍ وأصواتٍ خَلَقَهَا اللهُ ﷿، وَنَسَبَهَا إِلَيهِ تَشريفًا وَتَعظِيمًا.
قوله: «ولا المَعاني دون الحُرُوف»:
وَهَذَا مَذهَبُ الكُلَابيَّةِ وَالأشعَرِيَّةِ؛ فَكَلامُ اللهِ عِنْدَهُمْ مَعنًى فِي نَفسِهِ، ثُمَّ خَلَقَ أَصوَاتًا وَحُرُوفًا تَدُلُّ عَلَى هَذَا المَعنَى؛ إِمَّا عِبَارة أَوْ حِكَايَة.
واعلم أنَّ ابنَ القيِّمِ ﵀ ذَكرَ أَنَّنَا إِذَا أَنكَرنَا أَنَّ اللهَ يتكلَّمُ فَقَد أَبطَلنَا الشَّرعَ والقَدَر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute