للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن كلام الله، ولا حكاية له، ولا قال أحد منهم: إن لفظي بالقرآن قديم أو غير مخلوق، فضلًا عن أن يقول: إن صوتي به قديم أو غير مخلوق؛ بل كانوا يقولون بما دلَّ عليه الكتاب والسنة من أن هذا القرآن كلام الله، والناس يَقرءونه بأصواتهم، ويكتبونه بمدادهم، وما بين اللوحين كلام الله، وكلام الله غير مَخلوق» (١).

وأما المعتزلة والجهمية فقالوا: القرآن كلام الله مخلوق؛ فهم أضافوا الكلام إلى الله من باب إضافة الوصف على حد قولهم: (ناقة الله).

ومن المتفلسفة مَنْ يزعم أن المعاني والحروف تأليفه؛ لكنها فاضت عليه كما يفيض العلم على غيره من العلماء.

وقال شيخُ الإسلام: «وَاَلَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ: أَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَإِنَّمَا قَالَ السَّلَفُ: «مِنْهُ بَدَأَ» لِأَنَّ الجَهْمِيَّة-مِنْ المُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ-كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّهُ خَلَقَ الكَلَامَ فِي المَحَلِّ. فَقَالَ السَّلَفُ: «مِنْهُ بَدَأَ». أَيْ: هُوَ المُتَكَلِّمُ بِهِ؛ فَمِنْهُ بَدَأَ، لَا مِنْ بَعْضِ المَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة: ١٣]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ [سبأ: ٦]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ١٠٢].


(١) «مجموع الفتاوى» (١٢/ ٣٠١، ٣٠٢).

<<  <   >  >>