وقد عاصر من علماء اللغة الأصمعىّ (- ٢١٦) ، وأبا زيد (- ٢١٤) ، وكان بينهم من الخلاف ما يكون بين المتعاصرين، ولكنّ خلافهم هذا لم يصل إلى الريبة فى الثقة بما يرويه كل واحد منهم «١» ، أو إلى الأنفة من الاعتراف بالحق لصاحبه حين يبدو وجه هذا الحق «٢» . ذلك لأنهم لم يكونوا يختلقون ولا يتزيدون.
ومن هنا نرى شذوذ قول بعض الباحثين الغربيين: إن أبا عبيدة كان حين يضيق علمه يختلق ما يفيده فى نزعته «٣» وكان الرواة والآخذون عنهم يرجّحون أبا عبيدة إذا قاسوه بصاحبيه أو بأحدهما «٤» ، على ما ساءت عبارته وحسنت عبارة الأصمعى التي هيأت له أن يفوز على أبى عبيدة فى مواقف يذكرها الرواة «٥» ، ولعل ملحظهم فى هذا التفضيل أن أبا عبيدة كان له- إلى غزارة العلم- مرونة وحرية فى فهم اللغة لم تكن عند الأصمعى وأبى زيد «٦» ، على أن أبا عبيدة وأبا زيد كانا يتفقان فى كثير من مسائل اللغة «٧» .
[ثقافة أبى عبيدة:]
كان أبو عبيدة من المعمّرين، وفى عهده وضعت أسس العلوم الإسلامية على ما اختلفت نواحيها من تفسير وحديث وفقه وأخبار، وكان أبو عبيدة يشارك فى
(١) مراتب النحويين ٨٠، المزهر ٢/ ٤٠٤. (٢) مختار أخبار النحويين ٢٠٩ ا. (٣) جولد زيهر. ١/ ٢٠٢. وقد أحال على أنساب الأشراف ص ١٧٢. (٤) المزهر ٢/ ٤٠٢ وأنظر ابن خلكان ٢/ ١٥٦. (٥) تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٦، الإرشاد ١٩/ ١٦٠. (٦) المزهر ٢/ ٤٠٢. (٧) جمهرة ابن دريد ٣/ ٤٢٤.