المائعات تفارق الماء في كونها لا تبلغ حدًا يتعذر حفظه وصونه عن النجاسة، فتنجس بحلولها فيها لإمكان صونها، بخلاف الماء (١).
واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل – يتنجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؛ إن كان قليلًا، وإن كان قُلتين، لا يتنجس إلا بالتغيير - بما يلي:
الدليل الأوّل: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ مِنَ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ (٢) لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ) (٣).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث بمفهومه على أن الماء - ويدخل في ذلك ماء البئر- إذا كان دون قلتين- فإنه يتأثر بالنجاسة (٤)، وإنما " ورد هذا مورد الفصل والتحديد بين المقدار الذي ينجس والذي لا ينجس، ويؤكد ذلك قوله: -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا ينجس"(٥).
(١) انظر: الحاوي (١/ ٣٣٣). (٢) القلة: هي الجبل والقطعة المستديرة في أعلاه، وهي أعلى الرأس، جمهرة اللغة، ابن دريد (١/ ١٦٤ - ٢/ ٩٧٦)، والقلتين في الحديث: واحدها قلة، والجمع قِلال، وهي الجرار، انظر: غريب الحديث، القسم بن سلام (٢/ ٢٣٧)، النهاية، ابن الأثير (٤/ ١٠٤). (٣) رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء (١/ ١٧) (٦٣)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس (١/ ١٧٢) (٥١٧) في سننهما، وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين (١/ ٢٢٤): "صحيح على شرط الشيخان"، وقال البيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٢٨٤): "هو موقوف"، وقال النووي في المجموع (١/ ١١٢): "هذا الحديث حديث حسن ثابت من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -، والحديث ثابت ومحفوظ" وانظر: البدر المنير، ابن الملقن (١/ ٤٠٩)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (١/ ٢١)، وقال الألباني في إرواء الغليل (١/ ١٩١): "صحيح". (٤) انظر: كفاية الأخيار، للحصني (١٦). (٥) معالم السنن، للخطابي (١/ ٣٦).