• وخرّج الإمامُ أحمد (١) من حديث عبد اللّه بن سلمة عن عليّ أو عن الزبير بن العوّام قال:
كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا فيذكرنا بأيام اللّه حتى يُعْرفَ ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يُصَبِّحُهُمُ الأمرُ غُدْوَةً، وكان إذا كان حديثَ عهْدٍ بجبرئيل لم يتبسَّمْ ضاحكًا حتَّى يَرْتَفِعَ عَنْهُ.
• وخرّج الطبراني والبزار من حديث جابر (٢) قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذيرُ قوم أتاهم العذابُ؛ فإذا ذهب عنه ذلك رأيتُه أطلَقَ الناسِ وجهًا، وأكثرَهم ضحكًا، وأحسنَهم بِشْرًا - صلى الله عليه وسلم -.
يدلُّ على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - قد أبلغَ في تلك الموعظة ما لم يُبْلِغْ في غيرها؛ فلذلك فهمُوا أنها موعظةُ مودِّع؛ فإن المودِّعَ يستقصي ما لا يستقْصي غيْرُه في القول والفعل؛ ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلّي صلاة مودِّع (٣)؛ لأنَّ من استشعر أنه مودِّعٌ بصلاته أتقنها على أكمل وجوهها، ولَرُبَّما كان قد وقع منه - صلى الله عليه وسلم - تعريضٌ في تلك الخطبة بالتوديع، كما عرَّض بذلك في خطبته في حجة الوداع، وقال:"لا أَدْرِي لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا" وطفق يودّع الناس فقال: هذه حجة الوداع.
* * *
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٢٢ - ٢٣ (المعارف) بإسناد صحيح كما ذكر محققه العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٢/ ١٨٨ وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، وأبو يعلى عن الزبير وحده ورجاله رجال الصحيح. (٢) وإسناده حسن كما في المجمع ٩/ ١٧. (٣) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٤١٢ من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز فقال: "إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا، واجمع الإياس مما في أيدي الناس: وأخرجه ابن ماجه في الزهد: باب الحكمة ٢/ ١٣٩٦. قال البوصيري في الزوائد: "إسناده ضعيف، وعثمان بن جبير قال الذهبي في الطبقات: مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري وأبو حاتم: روى عن أبيه عن جده عن أيوب، قلت: لكن كون الحديث من أوجز الكلمات، وأجمعها للحكمة يدل على قربه للثبوت، فليتأمل".