ومن هنا كان الصحابة يخافون على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه.
وسئل أبو رجاء العُطَارِدي: هل أدركتَ من أدركت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاق؟ فقال: نعم، إني أدركت منهم بحمد الله صدرًا حسنًا، نعم شديدًا، نعم شديدًا (١).
وقال البخاري في صحيحه: وقال ابنُ أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه (٢).
ويذكر عن الحسن قال:"ما خافه؛ إلا مؤمن، ولا أمنه؛ إلا منافق". انتهى.
وروي عن الحسن أنه حلف: ما مضى مؤمن قط ولا بقي؛ إلا وهو من النفاق مشفق (٣)، وما مضى منافق قط ولا بقي؛ إلا وهو من النفاق آمن.
وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق.
وسمع رجل أبا الدرداء يتعوّذ من النفاق في صلاته فلما سلم قال له: ما شأنك وشأن النفاق؟ فقال:"اللهم (٤) اغفر لي "ثلاثًا"؛ لا تأمن البلاء، واللهِ إن الرجلَ ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه".
والآثار عن السلف في هذا كثيرَة جدًّا.
• قال سفيان الثوري: خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث: فذكر منها قال: نحن نقول: نفاق. وهم يقولون: لا نفاق.
• وقال الأوزاعي: قد خاف عمر النفاق على نفسه قيل له (٥): إنهم يقولون: إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة، ولكن خاف أن يُبْتلى بذلك قبل أن يموت؟ قال: هذا قولُ أهلِ البدع، يشير إلى أن عُمرَ كان يخاف النفاق على نفسه في الحال.
(١) صفة المنافق (٨١) والحلية ٢/ ٣٠٧. (٢) أخرجه البخاري تعليقًا في: ٢ - كتاب الإيمان: ٣٦ - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ١/ ١٠٩ وتمامه في الترجمة: ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. وانظر صفة المنافق (٨٢ - ٨٦). (٣) م: "إلا وهو من النفاق غير آمن". والخبر في صفة المناقق ٨٧، ٨٨. (٤) م "اللهم غفرًا". والخبر في صفة المنافق للفريابي ٧٣، ٧٤. (٥) م: "لهم".