قوله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(١) بأنهما لم يلتفتوا إلى غيره (٢).
* فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته وإجلاله، ومهابته ومحبته وإِرادته، ورجائه ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه: استقامت الجوارح كلُّها على طاعته؛ فإن القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإِذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه.
* وكذلك فسر قوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}(٣) بإخلاص القصد لله وإرادته وحده لا شريك له.
[[ماذا بعد استقامة القلب]]
* وأعظم ما يُراعَى استقامَتُهُ بعد القلب من الجوارح: اللسان؛ فإِنه تَرْجُمَان القلب، والمعَبِّرُ عنه.
ولهذا لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سفيان بن عبد الله الثقفي (٤) بالاستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه (٥)؛ وفي (٦) مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يستقيم إِيمانُ عبد حتى يَسْتَقَيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"(٧).
(١) سورة فصلت: ٣٠. (٢) رواية الحاكم في المستدرك ٢/ ٤٤٠ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} وسوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}؟ فقالوا: الذين قالوا ربنا ثم استقاموا فلم يلتفتوا، وقوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بخطيئة فقال أبو بكر: حملتموهما على غير وجه المحمل، ثم استقاموا ولم يلتفتوا إلى إله غيره، ولم يلبسوا إيمانها بظلم أي بشرك. اهـ. وقد صححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي. (٣) سورة الروم: ٣٠. (٤) زيادة واجبة. (٥) كما في الحديث الذي أورده المؤلف .. (٦) في م "ففي". (٧) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ١٩٨ (الحلبي) من طريق زيد بن الحباب، عن علي بن مسعدة الباهلي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة، يأمن جاره بوائقه". وهو عند ابن أبي الدنيا في الصمت ص ٣٨ ح ٩ من حديث عمرو الناقد، عن زيد بن الحباب - به - بمثله. وأوِرده العراقي في تخريج أحاديث الأحياء ٣/ ٩٤ عن ابن أبي الدنيا في هذا الموضع، وعن الخرائطي في مكارم الأخلاق.