آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] يدل على أن من كان من هذه الطوائف صالحاً في عمله، وظلّ على دينه حتى بعد بعثة الرسول ﷺ فعمله مقبول وهو مثاب عليه ولا خوف عليهم من عقاب يوم القيامة.
والردّ عليهم هو أن هذه الآية فيها حكم لأهل الكتب السماوية السابقة (١)، فأخبر الله أن المؤمنين
(١) وفيما يخص لفظ ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ قال السعدي: " لما ذكر [الله تعالى] بني إسرائيل وذمّهم، وذكر معاصيهم وقبائحهم، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكماً عاماً يشمل الطوائف كلها، ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال" (تفسير السعدي ص: ٥٤). وإذا سلّمنا جدلاً بأن الآية الكريمة فيها إخبار عن تلك الطوائف بعد البعثة فيكون المراد منها هو كما علّق الطبري في شرحها بقوله: " معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع، ثباته على إيمانه وتركه تبديله. وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين، فالتصديق بمحمد ﷺ وبما جاء به، فمن يؤمن منهم بمحمد، وبما جاء به واليوم الآخر، ويعمل صالحاً، فلم يبدل ولم يغير حتى توفي على ذلك، فله ثواب عمله وأجره عند ربه" تفسير الطبري (٢/ ١٤٨). وقال الشوكاني: " إِنَّ الْمُرَادَ الَّذِينَ صَدَّقُوا النَّبِيَّ ﷺ وَصَارُوا مِنْ جُمْلَةِ أَتْبَاعِهِ، وَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حَالَ هَذِهِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَحَالَ مَنْ قَبْلَهَا مِنْ سَائِرِ الْمِلَلِ يَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا اسْتَحَقَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَالْأَجْرُ دِقُّهُ وَجِلُّهُ " فتح القدير (١/ ١١٠). وينظر تفسير الطبري (٢/ ١٤٨)، و فتح القدير (١/ ١١٠)، تفسير السعدي ص: ٥٤