يدعوه إلى بذل المزيد من الجهد والصبر عليهم. ففي قوله تعالى: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ إشارة إلى استمرارية الفعل والتجدد بلفظ المضارع، واقتران الفعل (كان) مع الفعل المضارع يدل على أن هذا الأمر كان دأبه ﵇ وكان ديدنه منذ زمن بعيد وأنه مثابر عليه مما يتطلب الصبر والمجاهدة.
ثالثاً: وزاد صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ أي " كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة، ليجعلهم قدوة لمن وراءهم"(١). فقد كان دأبه البداءة بأهله في كل إصلاح، ولا شك أن هذا الأمر من أهم أساليب الدعوة الصحيحة، لتكون الدعوة فاعلة ومجدية فإن الله تعالى ذم اليهود بقوله: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٤].
وعند التأمل في بشرى الله تعالى لخليله إبراهيم ﵇: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ١٠١ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: ١٠١ - ١٠٢]
تُشرق بين ثنايا الآيات صفات أخرى في إسماعيل (٢)﵇ فهي حلمه، وصبره، وبره بوالديه، ويجدر
(١) تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (٣/ ٢٣). (٢) وقد فصّل عامة المفسرين الاختلاف في أمر الذبيح و أنه هو إسماعيل وليس إسحاق لدلالة باقي الآيات وسياقها، ينظر تفسير الخازن (لباب التأويل في معاني التنزيل) (٤/ ٢٤)، وتفسير الطبري (١٩/ ٥٨٧)، وتفسير السمر قندي (بحر العلوم) (٣/ ١٤٩)، وتفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) (٨/ ١٥٧)، وتفسير الرازي (مفاتيح الغيب) (٢٦/ ٣٤٥)، وتفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) ص: ٧٠٥ وغيره كثير. وقال ابن كثير: " وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ، حَتَّى نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ تُلقى إِلَّا عَنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأُخِذَ ذَلِكَ مُسَلَّمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. "تفسير ابن كثير (٧/ ٢٧).