للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما داموا شغلوا تلك الأوقات بتلك البدع كان في مقابل ذلك إماتةٌ للسنَّة، وهكذا فقِسْ؛ كلما أُحيِيَت بدعة أُمِيتَ في مقابلها سنَّة فهذا مما يدل على أن من شرِّ هذه البدع ومن خطرها أن فيها إماتةٌ للسنَّة، ويصلُ الحال ببعضهم إلى أن يرى السنَّةَ بدعة والبدعةَ سنَّة لأنه ألِفَ البدعة ونشأ عليها ولما يُؤتَّى إليه بأمرٍ من السنَّة ينكره ويرى أنه هو البدعة فتنقلبُ عنده الموازين. (١)

والحث على التمسك بالسنة والتحذير من البدع هو وصية النبي ووصية السلف الصالح من بعده من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم، فعن العرباض بن سارية (٢) قال: "وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» (٣).

فوصية النبي لأصحابه ولأمته من بعدهم هي أن يتمسكوا بما


(١) انظر الاعتصام للشاطبي (١/ ٣٠)
(٢) العرباض بن سارية السلمي أبو نجيح، صحابي مشهور من أهل الصفة، مات سنة خمس وسبعين للهجرة وقيل قبل ذلك. الإصابة (٢/ ٤٦٦).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ١٢٦، ١٢٧). وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة: باب في لزوم السنة (٥/ ١٣، ١٥) ح ٤٦٠٧، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم: باب في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (٥/ ٤٤) ح ٢٦٧٦ وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة في سننه، في المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (١/ ١٦). وابن حبان في صحيحه (١/ ١٣٩) والحاكم في المستدرك (١/ ٩٦) وصححه ووافقه الذهبي، والآجري في الشريعة (٤٦، ٤٧)، والدارمي في سننه، باب اتباع السنة (١/ ٤٤، ٤٥) وقال الألباني: سنده صحيح، وصححه جماعة منهم الضياء المقدسي في اتباع السنن واجتناب البدع، انظر: مشكاة المصابيح (١/ ٥٨) ح ١٦٥.

<<  <   >  >>