للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«فَيَقُولُ: هَاه هَاه؛ لَا أَدْري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلتُهُ»، يعني: لم يَلجِ الإيمانُ قلبَهُ، وإنَّمَا كانَ يقولُ كما يقولُ النَّاسُ مِنْ غيرِ أن يَصِلَ الإيمانُ إلى قلبِهِ.

وَتَأَمَّل قولَهُ: «هاه هاه» كأنَّ شيئًا غَابَ عنهُ يريدُ أن يَتذكرَه، وَهَذا أشدُّ في التَّحَسُّرِ أن يتخيَّلَ أنَّهُ يَعْرِفُ الجوابَ، ولكن يُحالُ بينهُ وبينهُ، ويقولُ: «هاه هاه»، ثمَّ يقولُ: «سمعتُ الناسَ يقولونَ شيئًا فقلتُهُ»، وَلَا يقولُ: رَبِّيَ الله، وَلَا ديني الإسلام، وَلَا نَبِيِّ محمَّد؛ لأَنَّهُ فِي الدُّنيا مُرتابٌ شاكٌّ.

هذا إِذَا سُئِلَ فِي قَبرِهِ وَصَارَ أحوج مَا يكونُ إِلَى الجَوَابِ الصَّوَابِ يَعجزُ، وَيَقولُ: «لَا أدري سَمِعتُ النَّاسَ يقولونَ شَيئًا فقلتُهُ».

إِذًا؛ إيمانُه قولٌ فَقَط» (١).

وقولُ شيخِ الإسلامِ-رحمه الله تعالى-: «فَيُضرِبُ بِمرزَبَّةٍ مِنْ حديدٍ؛ فيصيحَ صحيةً يسمعهَا كُلُّ شيءٍ إِلَّا الإنسان، وَلَو سَمِعَها لصعقَ» -يُشير إلى حديث أنس وفيه: «وأمَّا المُنافق والكافر فيُقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنتُ أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضرب بمطارقَ من حديد ضربةً؛ فيَصِيحُ صَيحةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيرَ الثَّقَلينِ» (٢)، والثَّقلان: هُمْ الإنسُ والجنُّ.


(١) انظر: «شرح الواسطِيَّة» (ص ٤٨٠ - ٤٨٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٧٤) من حديث أنس .

<<  <   >  >>