أما الشفاعة الدنيوية (التي كانت في حياته)، فقد أجمع أهل العلم على أن الصحابة كانوا يستشفعون به ويتوسلون به في حياته بحضرته. كما ثبت في أحاديث الاستسقاء، وهذا الاستشفاع هو طلب للدعاء منه، فإنه كان يدعو للمستشفع والناس يدعون معه، كما جاء في الحديث الثابت في الاستسقاء أن المسلمين لما أجدبوا على عهد النبي ﷺ دخل عليه أعرابي فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه وقال:"اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا"(١).
فهذا يبين أن معنى الاستشفاع بالنبي ﷺ هو استشفاع بدعائه وشفاعته. وهذا ما فهمه الصحابة وعملوا به بعد وفاة النبي ﷺ فعمر بن الخطاب استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"(٢). وكذلك معاوية بن أبي سفيان -لما أجدب الناس بالشام-استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي (٣) فقال: "اللهم إنا نستشفع ونتوسل بخيارنا، يا يزيد ارفع
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع. انظر: فتح الباري (٢/ ٥٠١) ح ١٠١٣. (٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا انظر فتح الباري (٢/ ٤٩٤) ح ١٠١٠ (٣) يزيد بن الاسود الجرشي أبو الأسود، من سادة التابعين أسلم في حياة النبي ﷺ، وكان من العباد الخشن وقصته مع معاوية تدل على فضله وصلاحه، توفي سنة ٧١ هـ. الإصابة (٣/ ٦٣٤) وسبر أعلام النبلاء (٤/ ١٣٦ - ١٣٧).