للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرائي البصر في شعاعها ضعف عن رؤيتها لا لامتناع في ذات المرئي، بل لعجز الرَّائي، فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله قُوى الآدميين حتى أطاقهم رؤيته، ولهذا لما تجلى الله للجبل خَرَّ موسى صعقًا، قال: سبحانك! تُبت إليك، وأنا أول المؤمنين بأنَّه لا يراك حيٌّ إلا مات، ولا يابس إلا تَدَهْدَه، ولهذا كان البشر يَعجزون عن رؤية المَلَك في صورته إلَّا مَنْ أيده الله، كما أيَّد نبينا (١).

والأدلة التي استند عليها أهل السنة في إجماعهم على عدم وقوع رؤية الله في الدنيا يقظة-كثيرة؛ منها:

قول النبي كما في «صحيح مسلم»: «تَعَلَّمُوا أنَّه لن يرى أحدٌ مِنكم ربه-﷿-حتى يَموت» (٢)، فهو صريح في عدم وقوع الرؤية البصرية لأحد من الناس لله جل وعلا في هذه الدار الدنيا حتى ولو كان نبيًّا؛ لأن الله-جل وعلا-قد مَنع موسى--مِنْ أن يَرَاه، وهو أحد أُولي العزم من الرسل، فكيف بمن دونه مِنْ سائر المؤمنين؟! فإن الله-جل وعلا-لما قال له موسى: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] قال: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] فمنعه من أن يراه، وفي قوله: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ أي: لما تجلى الله للجبل تدكدك ولم يَثبت، فكيف يَثبت البشر الضعيف؟!


(١) «منهاج السنة النبوية» (٢/ ٣٣٢).
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٣١) من حديث عبد الله بن عمر .

<<  <   >  >>